قصتي مع المدرب فاريا بجريدة أخبار اليوم في 24 حلقة

قصتي مع المدرب فاريا
تقديم
جريدة أخبار اليوم: الثلاثاء 03 يوليوز 2018
عدد: 2635
إدريس الكتاني: هكذا كلفني الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
عبد الحق بلشكر
بالتزامن مع مونديال روسيا 2018، مازال المغاربة يتذكرون الإنجاز الكبير الذي حققه المنتخب الوطني في نهائيات 1986 بالمكسيك. فقد كان أول فريق وطني عربي إفريقي، وحتى آسيوي، يمر إلى الدور الثاني في نهائيات كأس العالم على رأس مجموعتة. قائد هذا الفريق هو البرازيلي المهدي فاريا خوصي فاريا قبل أن يعلن إسلامه في المغرب). لكن لم يسبق أن نشرت قصة ظروف اختياره، ومن كان وراء البحث عنه وإقناعه بتدريب فريق الجيش الملكي وبعدها المنتخب الوطني. إنه المدرب البرازيلي الذي عشق المغرب، وعاش فيه منذ قدومه إليه سنة 1983، وتوفي فيه في ظروف محزنة سنة 2016.. إنها قصة مثيرة يرويها ل«أخبار اليوم» السفير المغربي السابق في الكويت، إدريس الكتاني، الذي يقول إنه لم يروها منذ 35 سنة. تقلد الكتاني عدة مهام ذات طابع اقتصادي وسياسي منذ أواسط الستينات، لكن الأقدار جعلت الحسن الثاني يقلده مهمة تخص قطاع الرياضة الذي لم يكن من صميم تخصصه. من مواليد فاس في مارس 1943، تخرج من المدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1965، والتحق بالإدارة العمومية مهندسا متخصصا في دراسات المشاريع الصناعية في وزارة التجارة والصناعة، وتدرج في عدة مسؤوليات قبل أن يشغل منصب مدير ديوان وزير الصناعة والتجارة، عبد اللطيف الغيساسی، سنة 1975-1974، كما عين مندوبا للمغرب في اللجنة الدائمة الاتحاد المغرب العربي ومقرها بتونس أواخر 1975، ليعود إلى المغرب سنة 1977، حيث ترأس الشركة المغربية الألمانية لتسيير معامل السكر المغربية، ثم شغل منصب مستشار اقتصادي ضمن البعثة الدائمة للمغرب لدى الأمم المتحدة في نيويورك ابتداء من سنة 1981. خبرته الاقتصادية جعلته يكون ضمن 20 مستشارا اقتصاديا، تقرر تعيينهم سنة 1982 في سفارات المغرب في الخارج، وهنا ستبدأ قصته مع المدرب فاريا وقبله جايمي فالانتي. يروي الكتاني أنه استدعي في غشت 1982 إلى القصر الملكي، رفقة بقية المستشارين، لتقديمهم للملك الراحل الحسن الثاني، وعندما نودي عليه وذكر الاسم والدولة التي س يتوجه إليها (إدريس الكتانی.. ريو ديجانيرو)، تركز نظر الحسن الثاني عليه، وسأله: «هل لك اهتمام بكرة القدم»؟ فرد: «نعم»، ثم سأله مرة أخرى: هل تابعت نهائيات كأس العالم الأخيرة؟» وكان لم يمض على نهايتها بإسبانيا إلا بضعة أسابيع)، فأجاب «نعم». فقال له الحسن الثاني: «في رأيك، ما هو أحسن فريق في هذا المونديال»، فرد السيد الكتاني: الفريق البرازيلي»، فكان تعليق الملك: «هذا هو رأيي أنا كذلك»، وتابع قائلا: «أول ملف ستعمل عليه، بمجرد التحاقك بمقر عملك في البرازيل، هو أن تجد لنا مدربا جيدا جيدا للفريق الوطني». كان الوزراء والمستشارون الملكيون الذين حضروا حفل الاستقبال يتابعون باندهاش ما يجري، ويتساءلون في قرارة أنفسهم: «لماذا يكلف الملك مستشارة اقتصاديا بالبحث عن مدرب لكرة القدم؟ ولماذا غيب دور وزارة الشباب والرياضة والجامعة الملكية لكرة القدم في هذا المسعى؟». في هذه الحلقات المثيرة سيروي السيد الكتاني كيف بدأ يبحث عن المدرب فور وصوله إلى ريو دي جانيرو، وعن الصعوبات التي واجهها مع س فير المغرب ببرازيليا، ومع عدة جهات حكومية، وسيكشف ظروف اقتراح المدرب البرازيلي جايمي فالانتي، الذي شكل النواة الأولى لفريق مونديال مکسیکو 1986، قبل أن يختفي فجأة دون س ابق إنذار، وكيف انتقل تدريب المنتخب الوطني إلى المدرب المهدي فاريا الذي كان مرشحا في البداية لتدريب فريق الجيش الملكي بطلب من الراحل الحسن الثاني. المهدي فاريا، المدرب الذي أتى «مكرها» إلى المغرب، قبل أن يحقق أكبر إنجاز مع المنتخب المغربي ومع فريق الجيش الملكي.

الحلقة الأولى
جريدة اخبار اليوم: الأربعاء 04 يوليوز 2018
إدريس الكتاني: هكذا كلفني الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي
– هل يمكن أن تحدثنا عن دورك في اختيار المدرب البرازيلي المهدي فاريا في الثمانينات ؟
– نتذكر جميعا بافتخار الملحمة الرائعة التي أنجزها فريقنا الوطني في نهائيات 1986 بالمكسيك، حيث دخل المنتخب المغربي التاريخ الكروي من بابه الواسع، فكان أول فريق وطني عربي إفريقي وحتى آسيوي يمر إلى الدور الثاني في نهائيات كأس العالم وهو يترأس مجموعته، بعدما تعادل مع بولندا ثم مع إنجلترا، وفاز على البرتغال في تلك الملحمة الخالدة بثلاثة أهداف لواحد. ويتذكر جميع من عايشوا تلك المرحلة أن من قاد، ذاك الفريق المتميز هو المهدي فاريا، المدرب البرازيلي. وجوابا عن سؤالك، أقول، أولا وللتاريخ، إن المرحوم المهدي فاريا ليس هو من شكل ذاك الفريق الرائع، لكنه هو من صقله وأتقن توجيهه، مع إدخال بعض الإضافات على تشكيلته. لكن الفضل في تكوين العمود الفقري لذلك الفريق يعود إلى الناخب البرازيلي الذي سبقه بأقل من س نة، والذي فاز مع هذا الفريق بكأس الألعاب المتوسطية التي نظمت بالمغرب سنة 1983، واسمه جايمي فلانتي. طبعا هذا لا يقلل إطلاقا من دور المرحوم المهدي فاريا في تحقيق تلك النتائج المذهلة مع فريقنا الوطني وحتى مع فريق الجيش الملكي.
– كيف حدث ذلك؟
– هذه قصة غريبة عشت تفاصيلها ولم أروها منذ أزيد من خمس وثلاثين سنة.
– لماذا لم تروها من قبل؟
– لا أعلم بالضبط، ربما لأنني تعاملت مع هذا الملف كأي ملف كلفت به بصفتي موظفا يعمل في دواليب الدولة، ربما لأنني كنت أعتقد أنه ليس من حقي، ولو أخلاقيا، أن » أنشر معلومات عن ملف من ملفات الدولة التي أنجزت بتعليمات ملكية غير معلنة. لكنني اليوم، وبعد مرور ما يقرب العقدين من الزمن على وفاة المغفور له الحسن الثاني، أشعر بأنه يجب نشرها لتوثيق هذا الحدث الذي كثيرا ما نسبت نتائجه إلى من لا علاقة له بإنجازها.
وها أنا أجزم اليوم بأن الفضل كل الفضل في نتائج مكسيكو 1986 يعود بالدرجة الأولى إلى الحسن الثاني، الذي خطط لتلك النتائج أربع سنوات قبل حدوثها، عندما أصر على أن يكون المدرب الوطني من البرازيل، في الوقت الذي كانت فيه كتابة الدولة في الشبيبة والرياضة والجامعة الملكية لكرة القدم تفضلان التعاقد مع مدرب أوروبي، ولم تقبلا بالاختيار الملكي إلا مرغمتين. وكم سمعت وقرأت من تعاليق وأخبار خاطئة حول الأدوار الطلائعية التي لعبتها تلك الجهات في اختيار المهدي فاريا، وفي نتائج مونديال مکسیکو 1986، في حين أن العكس هو الصحيح، كما سأرويه لكم بالتفاصيل، وأثبته بالأدلة المكتوبة.
– ماذا حدث بالضبط؟ وكيف جرى اختيار هذين المدربين البرازيليين؟
– ما حدث هو التالي، في شهر غشت من سنة 1982، استقبل المغفور له الحسن الثاني وفدا من المستشارين الاقتصاديين بهدف تعيينهم في كبريات السفارات المغربية. وكانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي يعين فيها شخصيا مستشارين اقتصاديين بصفة استثنائية. كنا، إذن، في حفل استقبال في الديوان الملكي، حيث كان رجال التشريفات يقدمون هؤلاء المستشارين الاقتصاديين إلى الملك حسب مقر تعيينهم (باريس، مدريد، لندن، طوكيو، نيويورك، بروکسیل، دلهي… الخ). وعندما جاء دوري، حيث كنت مرشحا للبرازيل والأرجنتين انطلاقا من مدينة ريو دي جانيرو، حدث شيء غير منتظر، حيث شد جلالة الملك مطولا على يدي بعد تهنئتي، وقال بشيء من الإعجاب: ريووو!.. السامبا!». فوجئ الحاضرون، وكانوا خمسة وزراء على ما أذكر، المرحوم امحمد بوستة وزير الدولة في الخارجية، والسيد المحجوبي احرضان وزير الدولة المكلف بالتعاون، وعبد اللطيف الجواهري وزير المالية، وعز الدين كسوس وزیر التجارة والصناعة والسياحة، والطيب بن الشيخ الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالشؤون الاقتصادية، وعدد من كبار المسؤولين بالديوان الملكي، ضمنهم السيد رضا كديرا مستشار جلالة الملك.
أقول فوجئ الحاضرون بجلالة الملك وهو يسألني: هل لك اهتمام بكرة القدم؟»، فأجبت بالإيجاب، فقال: «هل تابعت نهائيات كأس العالم الأخيرة؟ (وكان لم يمض على نهايتها بإسبانيا إلا بضعة أسابيع)، فأجبت بالإيجاب كذلك، وإذا به يسألني عن أحسن فرقة ضمن الفرق المشاركة في تلك النهائيات، حسب رأيي، فقلت دون تتردد «الفريق البرازيلي» (رغم أن هذا الأخير أقصى في نصف النهاية). فكان جوابه رحمه الله: «هذا هو رأيي أنا كذلك، لذلك، فإن أول ملف ستعملون عليه بمجرد التحاقكم بمقر عملكم في البرازيل هو أن تجدوا لنا مدربا جيدا جدا للفريق الوطني». قالها بالفرنسية
(Trouvez nous un très bon entraîneur pour l’équipe nationale). *
الحلقة الثانية
 
جريدة أخبار اليوم: الخميس 05 يوليوز 2018
الكتاني: خلفيات سياسية وراء حرص الحسن الثاني على جلب مدرب برازيلي
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
عبد الحق بلشكر
– لماذا كلفك الملك بهذا الموضوع بدلا من الجهات المختصة، غريب هذا الأمر؟
– هذا ما حير جميع الحاضرين وأنا أولهم، لأن هذا العمل يدخل في اختصاص الجامعة المغربية لكرة القدم تحت إشراف وزارة الشبيبة والرياضة في حين أنني كنت مرشحا للقيام بمهمة في المجال الاقتصادي لا علاقة لها بالرياضة.
– وهل علمت لاحقا ما كان وراء هذا التكليف العجيبة ؟
– سأقص عليك لاحقا ما علمته من المرحوم الكولونيل بلمجدوب حول سر هذا اللغز. لكن قبل ذلك أريد أن أشير إلى جزئية، زادت من اندهاش الحاضرين، هي أنه بعد تقديمي لجلالة الملك، أراد الوزير الطيب بن الشيخ الحديث عن المشاريع التي كلفت بها، قائلا: «اسمح لي يا جلالة الملك، لقد كلفنا السيد الكتاني بملفات اقتصادية كبرى نأمل أن تنجز في إطار التعاون مع دولة البرازيل». وعندما أراد الشروع في الحديث عنها قاطعه جلالة الملك قائلا: «اخلاااص»، وعاد لإتمام الحديث عن موضوع المدرب. هذه الجزئية لها دلالتها، فهي تكشف مدى اهتمام الحسن الثاني بموضوع الرياضة، وتشبثه بفكرته الهادفة إلى استقدام مدرب برازيلي للفريق الوطني.
– وما هي تلك المشاريعالتي كلفت بها؟
– كان هناك مشروع «سد المجاعرة» (سد الوحدة لاحقا)، وهو أكبر سد في المغرب، ومشروع خط السكة الحديدية بين مراكش والعيون الذي كان يدخل ضمن أولويات الحسن الثاني في تلك الفترة، ومشروع استخراج واستغلال النفط الصخري بالمغرب، وإعادة فتح السوق البرازيلي للفوسفاط والحامض الفوسفوري المغربي…
والغريب في الأمر أن إحدى كبريات الشركات التي اهتمت بإنجاز مشروع سد المجاعرة وخط السكة الحديدية مراكش- العيون، واسمها هیدروسیرفیس hydroservice من ساوبولو، والتي كانت مصنفة الرابعة عالميا في ميدان الأشغال الكبرى، هي التي ستقدم لي أهم مرشح لتسيير الفريق الوطني، كما سأقص عليك ذلك لاحقا، والذي سأجعله على رأس لائحة المرشحين، لأنه اختير في تلك السنة أحسن مدرب في البرازيل. وأنا حينها ما كنت أتوقع أن عملي في المجال الاقتصادي سيساعدني في إنجاز تلك المهمة الرياضية. فهل كان الحسن الثاني، الذي كان يربط بين السياسة والرياضة، قد فطتن أيضا إلى علاقة الاقتصاد بالرياضة، أم هي مجرد صدفة غريبة؟
– إذن، أنت ترى أن هناك علاقة بين السياسة والرياضة؟
– طبعا، فقرار الحسن الثاني، حسب ما سأفهمه لاحقا، والهادف إلى إسناد مهمة تدريب الفريق الوطني إلى مدرب برازيلي من مستوي عال، لم يكن نابعا فقط من إعجابه بالفريق البرازيلي في نهائيات إسبانيا، بل أعتقد أن له خلفياته ودوافعه السياسية.
– كيف ذلك ؟
– لم أفهم تلك الدوافع غير المعلنة إلا بعد مرور أربع سنوات، عندما تحدث العالم الكروي بإعجاب كبير عن إنجاز فريقنا الوطني في مكسيكو 1986، والذي فاق كل التوقعات، بقيادة مدرب برازيلي، حيث أدركت أن تدخل الحسن الثاني المباشر في اختيار المدرب الوطني منذ سنة 1982 كانت دوافعه سياسية بالأساس.
– هل يمكن أن تشرح أكثرهذه الدوافع السياسية ؟
– النتذكر التوتر والندية اللذين كانا يطبعان العلاقات المغربية الجزائرية في تلك المرحلة. ولنتذكر كذلك ما حدث في نهائيات إسبانيا سنة 1982. ففريقنا لم يكن مشاركا في تلك التصفيات، في حين كانت الجزائر تتوفر على فريق وطني عالي المستوى، والذي خلق الحدث البارز في تلك التصفيات، حيث تغلب على ألمانيا الغربية رغم أنها س تصل إلى مباراة النهاية وكاد يمر إلى الدور الثاني لولا ما تحدثت عنه معظم وسائل الإعلام العالمية آنذاك من «تواطؤ؟» بين ألمانيا والنمسا في مباراتهما الأخيرة. أتذكر أن هذا الحدث خلق تعاطفا عالميا مع الجزائر، إلى درجة جعلت فدرالية فيفا تغير قانونها، وتفرض إجراء المقابلات الأخيرة في تصفيات المجموعات في التوقيت نفسه.
حدث هذا، إذن، في الوقت الذي كانت الأجواء السياسية مع الجزائر مازالت مكهربة، وكان جرح مباراة المغرب والجزائر التي خسرناها بخمسة أهداف لواحد بالدار البيضاء في أواخر سنة 1979 مازال عالقا في الأذهان، خاصة أن الحسن الثاني واكب تحضير تلك المباراة بطريقة مباشرة، كما سيتضح لاحقا. إذن، أجد من الطبيعي أن يضع الحسن الثاني نصب عينيه، وهو المعروف لدى المقربين منه بقدرته الفائقة على البرمجة الاستباقية للأحداث، ضرورة التأهل إلى مونديال 1986 منذ تلك المرحلة، وأن يلعب المغرب في التظاهرة أدوارا متميزة تعيد إلى فريقنا الوطني بريقه وهيبته، وتغطي على ما سبق من ترد وخيبة أمل، وهذا ما حدث بالفعل في نهائيات مكسيكو 1986، عندما أشادت معظم وسائل الإعلام العالمية بنتائج فريقنا الوطني الذي تزعم مجموعته رغم صعوبتها، والمتكونة من بريطانيا وبولونيا والبرتغال، والذي اختير حارسه الرائع بادو الزاكي ضمن التشكيلة المثالية لتلك البطولة العالمية. ورغم مشاركة الفريق الوطني الجزائري في تلك النهائيات، فقد كان فريقنا الوطني هو من صنع الحدث البارز.
الحلقة الثالثة
 
جريدة اخبار اليوم: الجمعة 06 يوليوز 2018
الكتاني: رؤية استباقية للحسن الثاني.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
عبد الحق بلشكر
– لنعد إذن، إلى ظروف تنفيذكم تلك التعليمات الملكية وكيف تمكنت من تنفيذ مهمة لا تدخل في اختصاص عملك؟
– قبل أن أتحدث عن مجريات الأحداث في هذا الملف، اسمح لي أن أذكر بالأجواء والتعاليق التي راجت آنذاك في بعض الأوساط الرياضية المعنية، والتي توقعت لي الفشل الذريع في تلك المهمة. لقد سمعت كلاما قاسيا في حقي، قبل وبعد التحاقي بمقر عملي، من بعض المسؤولين، سامحهم االله، من قبيل: «هذا لعب الدراري»، و«آش جابك انت للكرة حتى تعرف تختار مدرب للفريق الوطني؟»، وكأنني أنا من طلبت أو اقترحت على جلالة الملك أن أقوم بهذه المهمة، أو أنه كان بوسعي أن أرفض تطبيق تلك التعليمات الملكية.
أما سفيرنا ببرازيليا -سامحه االله وغفر له- والذي كنت أمل أن يساعدني في هذا الملف، فقد حاول بالعكس أن يثنيني عن إنجاز تلك المهمة قائلا: «اش جابك تتكلف بهاد الموضوع وأنت بعيد عليه كل البعد؟».
– وهل صحيح أنك كنت بعيدا عن عالم الكرة والرياضة؟
– لا، طبعا، فقد كنت منذ صغري، ومازلت، من المولعين والمتقنين لهذه اللعبة. لقد لعبت كرة القدم في أوائل الستينات مع لاعبين بارزين، منهم من كان يلعب في الفريق الوطني ک«علي»، الجناح الأيمن لفريق الراك البيضاوي، والمرحوم «طاطوم»، فنحن الثلاثة ننتمي إلى الحومة نفسها، أي درب السلطان بالدار البيضاء، وفيما بعد مع المرحوم المعجزة والظاهرة الفريدة «عبد الرحمان الخالدي» الذي حاز كأس العرش ثلاث مرات متتالية مع فريقه الكوكب المراكشي في أوائل الستينات، حيث كناندرش معا في المدرسة المحمدية للمهندسين  »
من جهة أخرى، فاهتمامي بكرة القدم جعلني انسج علاقات خاصة ومتميزة مع بعض مسيري هذه اللعبة، أذكر من بينهم الكولونيل بلمجدوب، والجنرال باموس رحمهما الله، واللذان ترأسا الجامعة الملكية لكرة القدم في مراحل مختلفة، بعدما قاما بأدوار متميزة مع فريق الجيش الملكي.
– عشت إذن أحداثا رياضية قبل تكليفك بمهمة العثور على مدرب برازيلي، هل يمكن أن تحدثنا عنها؟
– نعم، لأن ما سأسرده عليك يتضمن ش هادة للتاريخ كان علي أن أدلي بها منذ عدة سنوات، وقد أكون الوحيد الذي بإمكانه تقديم هذه الشهادة في حق المرحوم الكولونيل بلمجدوب الإبراء ذمته بخصوص انهزام فريقنا الوطني أمام الفريق الجزائري بالدار البيضاء سنة 1979.
– هل تعتقد أن المرحوم بلمجدوب لم يكن هو المسؤول عن تلك الهزيمة؟
– بالطبع، خاصة أني عشت ما يثبت ذلك، فقد جاءت تلك المباراة في أجواء سياسية مكهربة، كما قلت سابقة، بسبب الصراع الذي بلغ أوجه بين البلدين. المقابلة أخذت إذن أبعادا سياسية فائقة الحساسية على الصعيدين الشعبي والرسمي. خسر المغرب بة أهداف مقابل 1، في عقر عاصمته الاقتصادية وأمام ملعب مملوء عن آخره، فجرى تحميل المسؤولية للكولونيل بلمجدوب عن الهزيمة من طرف بعض المنابر الإعلامية وحتى من بعض المسؤولين، انطلاقا من قرار إعفاء الجامعة المغربية لكرة القدم التي كان يترأسها المرحوم بلمجدوب آنذاك، في حين أنه لم يكن بيده أي قرار في ما يخص هذه المباراة، ومع ذلك بقي صامتا إلى أن توفي رحمه االله سنة 2008، دون التبرؤ مما نسب إليه، لسبب لا يمكنني سرده.
لكنني اليوم، وبعد مرور ما يناهز أربعين سنة على هذه المباراة المذلة أدلي بهذه الشهادة التي تبرئه من أي مسؤولية عن نتائجها غير المتوقعة واللامفهومة. فما حدث هو التالي: ذهبت للقاء السيد بلمجدوب في نادي الأولمبيك للتنس، الذي اعتدت مجالسته فيه، يوما قبل تلك المقابلة المشؤومة، وسألته عن الأجواء وعن تخميناته بالنسبة إلى نتيجة المباراة. فصمت مطولا واكتفى برفع يديه.
وعندما سألته عن إمكانية حضوري أطوار المقابلة، طلب مني أن التحق به في «فندق لاسمیر» في المحمدية، حيث كان يتجمع الفريق الوطني، على أساس مرافقته إلى الملعب. لم أدرك سبب اقتراحه هذا إلا بعد المباراة، وكأنه أراد أن أكون شاهدا على الحدث.

الحلقة 3 تتمة  (لم تنشر)


هذه الحلقة لم تنشر في جريدة أخبار اليوم ربما لما قدمت فيها من معلومات تبرئه من مسؤولية خسارة المغرب أمام الجزائر بخمسة لواحد.

سؤال: وهل قمت بزيارة الكولونيل بلمجدوب في فندق لاسامير كما طلب منك ؟
جواب: نعم، ذهبت في الموعد، فوجدته جالسا في ردهة الفندق لوحده في موقف غريب، طلب مني الجلوس بجانبه وكنت أرى اللاعبين يتحركون في الفندق غير عابئين بحضوره، وفجأة ظهر المدرب « كليزو » وهو متجها إلى درج الفندق، وفي طريقه مر بنا، فتجاوزنا ثم عاد إلينا وأخرج ورقة من جيبه قائلا للمرحوم بلمجدوب » هذه مون كولونيل التشكيلة التي سنلعب بها  » سلمها له وغادر.. تبين لي بالواضح أن الكولونيل لا رأي له في التشكيلة، وبمجرد أن اطلع هذا الأخير على الأسماء في اللائحة، بدا عليه القلق والتوتر، فقلت له « ماذا يحدث مون كولونيل ؟ »  فرد بانفعال شديد « هذه كارثة »، فاستغربت من ذلك كونه رفض التعليق عن المباراة سابقا حيث كان يكتفي برفع يديه كل مرة أسأله، لكن هاته اللائحة أخرجته من صمته حيث قال ملاحظا بلهجته الغرباوية المعهودة، فهو من مواليد سيدي قاسم « شي وحدين فهاد اللائحة ما ندخلهمش حتا من الشتا عساك نلعبهم في مباراة مصيرية ك هاذي » ثم أردف منزعجا « الله يدوز هذا النهار بخير، شوف أ السي ادريس رجع للرباط وتابع المباراة من التلفزة في بيتك » وحينما حاولت أن أفهم لماذا قال « أتوقع هزيمة كبيرة للمنتخب قد يترتب عليها شيء خطير في الدارالبيضاء. »
‎فعملت بطلبه وعدت للرباط حيث تابعت المقابلة على التلفزة، وحدث ما توقعه بالضبط من حيث النتيجة، لكن والحمد لله لم تقع أحداث شغب خطيرة بعد المباراة.
سامح الله كل المعلقين والمسؤولين الرياضيين وغير الرياضيين الذين حملوه مسؤولية تلك النتيجة، كونه كان في تلك الفترة يتحمل مسؤولية رئيس الجامعة وكون هذه الأخيرة قدمت استقالتها مباشرة بعد تلك المباراة. ومن يعلم؟ ربما طلب منه تقديم استقالته حتى يعطي انطباع انه المسؤول الأول عما حدث. في حين عرفنا لاحقا أن تلك اللائحة التي قدمها المدرب كلوزو للسيد بلمجدوب هي التي أحظرها معه بعد عودته في طائرة هليكوبتر من القصر الملكي بالصخيرات ساعات قليلة قبل المباراة، وما زاد من حصرتي هو ما لاحظته من استهتار بالكولونيل بلمجدوب من طرف هذا المدرب كلوزو، رغم ان الكولونيل هو من أنقذ حياته  في انقلاب الصخيرات في يونيو 1971 حيث كنت شاهدا على ذلك.

ففي انقلاب الصخيرات يوم عشرة يوليوز سنة 1971 وفِي وقت الذروة حيث يتساقط الحاضرون بالعشرات تحت القصف العشوائي العنيف كنّا مطوقين ورافعين الأيدي الى السماء، فسمعت صوت من وراءي يقول لأحد الجنود الطلبة وهو رافع يديه « أنا الكومندار بلمجدوب (او الكولونيل ؟) لا اتذكر، اطلب منك ان تأتي  بكأس ماء وتقدمه إلى السيد الذي أمامك حتى يتمكن من أخد دوائه، وعند امعاني في الشخص المعني تعرفت على السيد كلوزو وهو يلهث، وكأن قلبه على وشك التوقف. وسأعرف لاحقا ان السيد كليزو كان مريض بالقلب حيث سيتوفى اثر عملية جراحية اجريت له على القلب بأميركا بتمويل من الملك الحسن الثاني في أوائل التسعينات. باختصار كنت شاهدا على جرأة المغفور له بلمجدوب في هذا التدخل حيث كان يطلق النار على كل أحد يتحرك أو يتكلم (للعلم لقد اطلق النار علي سفير بلجيكا لأنه حاول اخبار المتمردين انه سفير أجنبي )

 وها هو السيد كلوزو أصبح يأخذ تعليماته مباشرة من القصر الملكي وينجزها بتنسيق كامل مع المرحوم ادريس البصري. هذه شهادة للتاريخ في حق المغفور له السيد بلمجدوب، ذلك الرجل المغوار الذي عرفت فيه  الاستقامة والشهامة وحسن الخلق.

سؤال: ماذا يمكنك أن تخبرنا أيضا عن الكولونيل بلمجدوب؟

جواب: طبعا تاريخ الكولونيل مشرف للغاية، ففي مرحلة  تحمله مسؤولية المدير التقني والناخب الوطني في أواسط السبعينات، فاز المنتخب المغربي، الذي كان تحت مسؤولية المباشرة، لأول وآخر مرة بكأس إفريقيا سنة 1976 بأديس أبابا، وهو الفريق الذي لعب فيه الرائع فرس، وحصل في ذلك العام على الكرة الذهبية في افريقيا.
وهنا سأروي لكم حادثة وقعت في أواخر 1975، حيث جاء المرحوم الكولونيل بلمجدوب مع الفريق الوطني إلى تونس لخوض مباراة حبية، وكنت حينها اشتغل في تونس بصفتي الممثل الدائم للمغرب في لجنة المغرب العربي والتي سينقل مقرها إلى الرباط بعد إنشاء اتحاد المغرب العربي في فبراير 1989. وبحكم صداقتي معه منذ أواسط الستينات، أي منذ كان ليوتنان، حيث كنا  نلتقي في نادي الضباط بالرباط، استقبلته في المطار بمعية أفراد الفريق الوطني وصاحبتهم إلى فندق أبونواس، وعندما سألته عن المباراة وعن أحوال فريقنا الوطني، قال لي « اليوم لدينا فريق قوي وجد منضبط، بإمكانه التفوق على معظم الفرق الافريقية. كان يتحدث بثقة كبيرة في النفس. لدرجة انه قال لي « بإمكاننا أن نفوز اليوم على تونس بسهولة وبثلاثة لصفر لكنني أعرف جيدا لاعبي، فحتى أجنبهم مصيدة الغرور لن اتركهم يسجلون أكثر من هدف أو هدفين » فاستغربت من كلامه. عرض علي أن أحضر معه في منصة الشرف حيث عرفني على رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم، ‎وفعلا منذ النصف ساعة الأولي تبين لي أن المنتخب المغربي يتفوق بكثير على نظيره التونسي، رغم أن هذا الأخير هو من سيتأهل بعد ذلك لكأس العالم بالأرجنتين سنة 1978.

الحلقة الرابعة
 
جريدة اخبار اليوم: الإثنين 09 يوليوز 2018
الكتاني: استضافتي للمنتخب الوطني في بيتي بتونس سنة 1977
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
 
– ماذا حدث إذن أثناء تلك المباراة الحبية بين المغرب وتونس أواخر1975؟
– انتصر الفريق الوطني بواحد الصفر، لكن ليس هذا هو المهم في هذه القصة. المهم هو أنني رأيت، بعد تسجيل الهدف الأول، مدرب المنتخب «مارادیسکوه (من رومانيا) يلتفت إلى المدرج ينظر إلى بلمجدوب، ورأيت بأم عيني هذا الأخير يعطيه إشارة مفادها الاكتفاء بتلك النتيجة. وبقي الفريق الوطني يتبادل كرات قصيرة وسط الملعب بطريقة متقنة ربما جرى التدرب عليها، إلى أن انتهت المباراة. وعندما غادرنا قال لي: «ماذا قلت لك؟». كان، رحمه الله، يسير الفريق الوطني وفق منطق تدريب عسكري (كوموندو). وللعلم فإن هذا الفريق المغربي هو من سيفوز بكأس إفريقيا في السنة اللاحقة بإثيوبيا.
– لكن المنتخب المغربي خسر مباراة مصيرية أمام المنتخب التونسي 2 إطار تصفيات كأس العالم لسنة 1978 بالأرجنتين، هل حضرت تلك المباراة؟
– نعم، وحضرت أيضا مقابلة الإياب التي ستمكن تونس من التأهل إلى نهائيات كأس العالم و بالأرجنتين سنة 1978، وحينها كنت لا أزال أعمل بتونس، ذهبت إلى المطار لاستقبال الكولونيل بلمجدوب، ففوجئت بغيابه، وبحضور المرحوم عثمان السليماني مكانه، وهو أيضا صديق حميم لي، كان يعمل آنذاك كاتبا عاما لوزارة المالية. رافقته والفريق إلى فندق «أبو نواسه فكلفنی باقتناء بعض المواد الأساسية لتغذية أفراد الفريق، خاصة مادة الحليب التي كانت شبه مفقودة. ويوم المقابلة حدثت الفاجعة الكبرى، حيث أقصى الفريق الوطني بركلات الجزاء بعدما تعادل الفريقان ذهابا وايابا. مازلت أتذكر ضربة الجزاء الأخيرة التي أضاعها اللاعب «فرس» رغم تسديدها بإتقان، حيث تصدى لها الحارس التونسي عتوكة ببراعة فائقة. وبعد المقابلة مباشرة، استضفت الفريق والطاقم المسير اللعشاء في بيتي، بحضور السفير المغربي المرحوم السيد محمد التازي. أذكر في تلك الليلة أن الحارس البياز أعلن نیته اعتزال اللعب مع المنتخب الوطني، وهو ما عبر عنه لاعبون آخرون. فهمت أنه وقع شيء غير طبيعي لم يستطيعوا أن يتحدثوا عنه بحضور مسؤولي الجامعة. لكن الأقدار شاءت أن اعرف السبب أشهرا بعد تلك الهزيمة، فقد اتصل بي رئیس الفدرالية التونسية، السید سلیم علولو، لحضور لقاء غداء نظمه على شرف مسؤول مغربي في جامعة كرة القدم أتي من القاهرة. جلسنا حول مائدة الطعام، فإذا بنا نكتشف أن المسؤول المغربي هو عبد اللطيف السملالي. وقع هذا في أواخر 1977، ولم يكن حينها وزيرا، وقد قال المسؤول التونسي للمرحوم السملالي في حضوري: «لما توجهنا إلى المطار الاستقبال فريقكم في تلك المباراة المصيرية، لاحظنا أن أحسن لاعب في فريقكم تركتموه بالمغرب حينها عرفنا أننا سنفوز». تعجب السيد السملالي لأن الفريق كان بكامل لاعبيه، وسأله من يكون فرد عليه السيد علولو الكولونيل بلمجدوب»، فتعجب السملالي من هذه الملاحظة وهو ما بدا واضحا على ملامحه، خاصة لما استرسل السيد علولو في التوضيح قائلا: إنه المايسترو الذي يضبط سير المقابلة دون أن يتحرك من مكانه ويتجاوب معه اللاعبون بكل أريحية واحترام، فغيابه كان من حسن حظناه، وأضاف مازحا: شكرا جزيلا على الهدية».
– لماذا جرى التخلي عن بلمجدوب في تلك المرحلة؟
– لا أعرف السبب بالضبط فلما عدت إلى المغرب بقيت على اتصال به، لكنه كان يرفض الخوض في هذا الموضوع.
الحلقة الخامسة
 
جريدة اخبار اليوم: الثلاثاء 10 يوليوز 2018
الكتاني: لقاءاتي الأولى في البرازيل.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
 
– لنعد إلى موضوع تكليفك من لدن الملك بالعثور على مدرب برازيلي للمنتخب الوطني؟ ماذا فعلت عندما خرجت من القصر؟
– عندما كلفني جلالة الملك بتلك المهمة استغرب الحاضرون ذلك، كما قلت لك، فكيف لمستشار اقتصادي أن يكلف بإيجاد مدرب للمنتخب الوطني في حين أن المعنيين بهذا العمل هم وزیر الشباب والرياضة المرحوم عبد اللطيف السملالي، ومسيرو الجامعة المغربية لكرة القدم، السید بنزروال بمعية السيد دومو رئيس الكاك آنذاك.
– ماذا فعلت؟
– مباشرة بعد خروجي من القصر الملكي توجهت إلى النادي الأولمبي للتنس للقاء الكولونيل بلمجدوب. وجدته جالسا وحده كالعادة فأخبرته بما حدث في اللقاء الملكي، فإذا به يبتسم ويقول: «تلك ضربة موجعة الوزير الشبيبة والرياضة ولمسيري الجامعة، لأنهم كلفوا بالمهمة نفسها من الدن الملك ولم يقوموا بالواجب المطلوب، حيث اكتفوا بمراسلة الكونفدرالية البرازيلية لكرة القدم، وبقوا على اتصال بأحد مرشحيهم بعدما اتفقوا معه على كل شيء، وهو من دولة أوروبية. ومن الواضح أن الحسن الثاني حينما انتبه إلى عدم رغبتهم في اختيار مدرب برازيلي، س حب منهم الملف»، ودعاني إلى أن أكون حذرا معهم جدا، لأنهم سيعملون على إفشال مهمتي بكل الوسائل، وقد يحاربونني شخصيا إلى درجة لا يمكن تصورها.
– ماذا فعلت إذن في البرازيل؟
– أول مشكلة واجهتها عندما وصلت إلى البرازيل هو عدم توفري على مكتب في ريو دي جانيرو، بحكم أن السفارة موجودة في العاصمة برازيليا. عكس ما حدث لجميع رفاقي المستشارين الاقتصاديين الذين التحقوا مباشرة بمقر السفارات، استعملت مؤقتا مقرا تابعا للمكتب الوطني للسياحة دون أن أتوفر على ظروف العمل المطلوبة وظللت في الفندق أزيد من ثلاثة أشهر. ورغم هذه الصعوبات، حيث كان على فتح مكتب جديد وتشغيل كاتبة واقتناء معدات المكتب، بالإضافة إلى مشكل التواصل اللغوي، لأنني لا أتقن البرتغالية وهم لا يتحدثون الفرنسية وقليل منهم من يتحدث الإنجليزية لكن، رغم كل هذا، يسر الله لي الأمور في مدة وجيزة، فقد تعرفت منذ الأيام الأولى على شخصيات من مستوى رفيع في إطار عملي مستشارا اقتصاديا، الشيء الذي فتح لي أبوابا كثيرة لم أكن أتوقعها، نتيجة اهتمام كبار المسؤولين الاقتصاديين في دولة البرازيل بلعبة كرة القدم، إلى درجة أنك مطالب، إذاىرغبت في كسب تعاطف رؤساء الشركات والأبناك البرازيليين، أن تكون على علم بأخر مستجدات كرة القدم المحلية لأن العادة جرت هناك على أن يبدأ الحديث عما حدث في آخر مباراة لعبتها الفرقة المفضلة قبل الدخول في صلب الموضوع، اقتصاديا كان أم ماليا. وبما أنني انخرطت منذ وصولي إلى «ريو دي جانيروه في نادي مشجعي الفريق المصنف رقم واحد على الصعيد العالمي في تلك الفترة، وهو فريق «فلامينغوة وبما أنني لم أتخلف عن أي من مبارياته التي كان يلعبها ب«الماراكانا»، أسبوعيا، فقد كان سهلا أن أكسب تعاطف معظم رجال الأعمال الذين قابلتهم آنذاك. وكما قلت سابقا، فمن خلالهم استطعت طي المسافات والاهتداء إلي أسهل الطرق للبحث عن المدرب المناسب دون السقوط في مخالب بعض الجهات المختصة، من قبيل الكونفدرالية البرازيلية لكرة القدم، والتي كان بعض أعضائها يتاجرون في عملية اقتراح المدربين، وهو جانب من الفساد الذي سيفضح فيما بعد.
– هل ساعدك رجال أعمال في العثور على المدرب؟
– فعلا، من خلال رجال الأعمال والصحافيين المختصين في كرة القدم الذين تعرفت عليهم، استطعت أن ألتقي المدرب المعروف «زغالو»، مدرب المنتخب البرازيلي سابقا وأستشيره في الموضوع، كما التقيت الصحافي الرياضي رقم واحد في البرازيل في تلك الفترة صاحب العمود اليومي بجريدة «أوكلوبوه، وتمكنت من الاتصال باللاعب المغمور «فافاه الذي قدم لي ترشحه، كما تمكنت من التواصل مع الرائع ماریو ترافاليني الذي زرته بمدينة ساو باولو، وهو من اختير أحسن مدرب في البرازيل سنة 1982، بالإضافة إلى عدد من المدربين ذوي مستويات مختلفة.
الحلقة السادسة
 
جريدة اخبار اليوم: الأربعاء 11 يوليوز 2018
الكتاني: تصنيفي للمدربين في البرازيل.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
– عقدت إذن عدة لقاءات مع رجال أعمال وصحافيين ومدربين، فكيف تمكنت في النهاية من التوصل إلى نتيجة؟
– من خلال تلك اللقاءات المكثفة مع عدد من المرشحين، والتي عادة ما كنت أنجزها بمقر إقامتي في فندق سيزار بارك الرفيع المستوى والموجود في منطقة إيبانما الراقية، استطعت في أقل من شهر أن أنجز تلك المهمة الرياضية التي كلفني بها الملك خارج مهامي الاقتصادية، وذلك بعدما أخذت فكرة واضحة عن سوق المدربين في البرازيل، فقد تبين لي من خلالها أن هناك ثلاث فئات رئيسة: الأولى ممتازة، والثانية جيدة جدا، والثالثة غير مصنفة لأنها تتضمن الجيل الجديد من المدربين، لتبنيهم أساليب عصرية ومستحدثة مرتكزة على دراسات نظرية وتطبيقية. فكان علي أن أتجنب الفئة الأولى من قبيل زاغالو، وتیلی سانتانا ومنللي، وباريراس… لما يشترطونه من أجر ومکافات عالية تفوق بكثير إمكانيات المغرب المالية، وتناهز 30 ألف دولار شهريا ومكافآت تقدر بمئات الآلاف من الدولارات.
أما الصنف الثاني فكان يتكون من مدربين كبار لكن ليست لهم شهرة عالمية أذكر منهم السيد ماريو ترافاليني الذي كان يدرب کورینتیاس «بساوبولو»، بعدما درب فرقا كبيرة بريو دي جانيرو، أما الجيل الجديد، والذي يرتكز على أساليب متطورة انطلاقا من دراسات نظرية متقدمة، فإنني أذكر منهم السيد جورج فيكتوريو، والسيد جايمي فالانتي الذي سأتعرف عليه لاحقا.
– كيف تعرفت على المدرب ماريو ترافالينية ؟
– كما أشرت إلى ذلك سابقا، فإن ممثل شركة «هيدروسيرفيس» هو الذي عرفني إليه بساوباولو، فعلى هامش المناقشات حول مشروعي سد المجاعرة والسكة الحديدية مراكش العيون، حدثته عن موضوع المدرب بشكل عابر، وعندما علم بأنني مكلف من لدن الملك اهتم كثيرا بالموضوع، بل بلغ به الأمر أن لامني لأنني لم أخبره بذلك منذ البداية، لأن شركته كانت مساندة للفريق العريق «کورینتیاس»، فقال لي «سأعطيك أحسن مدرب». كانت عين شركته على المشروعين الضخمين، حيث أبلغني بأنهم أكملوا إنجاز 600 كلم من السكك الحديدية في العراق، وكان عليهم إرجاع المعدات باهظة الثمن إلى البرازيل، فإذا تمكنوا من نقلها مباشرة إلى المغرب فستكون صفقة مربحة جدا للطرفين، فوعدني بمساعدتي في حل مشكل المدرب، وأخذ لي موعدا قريبا مع السيد ماريو ترافاليني بساوباولو، وهو المدرب الذي كان قد اختير أحسن مدرب في البرازيل سنة 1982، كما أشرت إليه سابقا.
– كيف كان لقاؤك مع ترافالينية ؟
– جرى اللقاء في ساوباولو. كان رجلا مثقفا، وسيرته مليئة بالتجارب، وله عدة شواهد جامعية، منها شهادة في تسيير المقاولات، وأخرى في الاقتصاد، وأخرى في العلوم السياسية، على ما أذكر، إلى جانب شواهده في مجال التدريب والتدريب البدني، وهو يتقن عدة لغات أجنبية. أما مسيرته في التدريب فهي حافلة بالمنجزات، حيث سبق أن درب فرقا كبيرة بريو دي جانيرو، منها «فاسكو دی کاما» لمدة سبع سنوات، و«فلومننس» لسنتين، قبل أن ينتقل إلى ساوباولو لتدريب «کورینتیاس»، حيث حقق مع تلك الفرق عدة بطولات محلية وبطولتين على الصعيد الوطني.
– هل أبدى استعداده لتدريب المنتخب الوطني المغربية ؟
– في اللقاء الأول، عبر لي عن سعادته بذلك، لأن اقتراح المغرب يتماشى مع ما يتوق إليه من أهداف، حيث قال لي: «لم يبق لي شيء أحققه في مسيرتي التدريبية في بلدي، فهذا العام صنفت أحسن مدرب على الصعيد الوطني، ولا يمكنني فعل شيء أكثر»، ثم أضاف: «لم يبق لي إلا المشاركة في كأس العالم، لكن حظوظي في الذهاب مع منتخب البرازيل ضئيلة لأسباب خارج الرياضة، فلن يبقى لي، إذن، إلا المرور عبر منتخب بلد آخر تتوفر فيه شروط التأهل إلى نهائيات كأس العالم المقبل (كان مقررا أن تنظم النهائيات بالبرازيل إلى حدود تلك الفترة، إلا أنه تقرر فيما بعد أن ينتقل التنظيم إلى المكسيك 1986)، وأضاف السيد ماريو ترافاليني: «اقتراحكم هذا يتماشى كليا مع طموحاتي».
– لماذا لم يكن ممكنا أن يكون مدربا للمنتخب البرازيلي؟
– عرفت فيما بعد أنه صنف رجلا سیاسیا محسوبا على اليسار، وأن الجيش، الذي كان يحكم البلد في تلك الفترة في شخص الرئيس الجنرال فيقيريدو، لن يقبل بترشحه لتدريب الفريق الوطني. وسيتأكد ذلك أسابيع قليلة بعد لقائنا.
الحلقة السابعة
 
جريدة اخبار اليوم: الجمعة 13 يوليوز 2018
الكتاني: تعقيدات لإيصال لائحة المدربين البرازيليين إلى القصر.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
– هل كان المدرب ترافاليني يعرف المنتخب المغربي؟
– لقد كان يعرف الكثير عن كرة القدم المغربية رغم أنه لم يزر بلادنا، فقد فاجأني بالقول: «إن البلد الذي أنشأ لاعبين من صنف العربي بنمبارك، وبلمحجوب ولخميري واقصبي، والبطاش… وهم من كبار اللاعبين الذين برزوا في إسبانيا وفرنسا في الخمسينات والستينات، ومنهم من لعب في الفريق الوطني الفرنسي، لا شك أنه يتوفر على المادة الخام الكافية لتشكيل فريق من الطراز الكبير» .
– هل تحمست لهذا المدرب؟
– لقد انبهرت بمستوى هذا المدرب الرائع وبثقافته العامة العالية فشعرت بأنني اهتديت إلى ما أبحث عنه، فسألته عن طلباته المادية، فقال: «أعرف أنكم لستم بلدا منتجا للنفط، ولن أطلب 30 ألف دولار مثل بعض
فاقی الذين ذهبوا إلى السعودية أو الكويت، فأنا الآن أتقاضى 10 آلاف دولار مع فريقي، ولن أطلب زيادة على هذا المبلغ لأن هدفي ليس هو جمع المال»..
– هل اقترحت اسمه على المسؤولين في المغرب؟
– طبعا، أعددت لائحة من ثلاثة أسماء تضم: ماریو ترافالينسيه وباولو الميديا الملقب بباولينيو وهو مدرب محترف في عدة فرق برازيلية ولعب في المنتخب البرازيلي بجانب بولي pelé، وإنفالدو ميتو الملقب به «فافا» بطل العالم لسنة 1958، والذي درب كذلك مجموعة من الفرق المشهورة في البرازيل، وهؤلاء هم الثلاثة الذين ركزت عليهم كل اهتمامي لأنهم يدخلون في الإطار المحدد من لدن الملك، أي «مدرب جديد جدا»، علما أن مرشحي الأول كان هو ماریو ترافاليني، الذي وضعته على رأس اللائحة.
– إذن، أعددت لائحة مقترحات؟
– بالفعل، وبدلا من الاكتفاء بهؤلاء الثلاثة، حسب ما كان يجري به العمل في الاقتراحات الموجهة إلى الملك، أضفت أربعة مرشحين أقل خبرة، تعرفت عليهم عن طريق الجمعية البرازيلية للمدربين، لأعطي فكرة عن سوق المدربين في البرازيل لا غير، لكن ذلك سيعقد الأمور في فترة الاختيار، كما سأرويه لاحقا.
– لكن المدرب ترافاليني لم يدرب المنتخب المغربي، فماذا حدث؟
– بعد تهييء تلك اللائحة، كان على أن أبعثها إلى الديوان الملكي عبر وزارة الخارجية، حسب المسطرة الإدارية العادية، فاتصلت بالسفير المغربي في برازيليا، وأبلغته بنتيجة عملي قصد إرسال اللائحة إلى الجهات المعنية عبر الحقيبة الدبلوماسية، لكن، بدلا من الاكتفاء بإرسالها كما بعثتها إليه، حاول إقناعي بتغييرها وحذف المرشحين الثلاثة الأوائل، متذرعا بارتفاع أجورهم مقارنة بإمكانيات المغرب فكان جوابي بأن هؤلاء الثلاثة هم مسن تنطبق عليهم تعليمات الملك المحددة في أن يكون «المدرب جيدا جدا»، عكس الأسماء المتبقية التي أضفتها إلى اللائحة لأعطي فكرة موسعة عن السوق البرازيلي للمدربين، وأصررت على الاحتفاظ بالأسماء الثلاثة الأولى، فكان جوابه أن وزارة الخارجية غير مكلفة بهذا العمل أصلا ولا دخل لها بهذا الملف، فكان على أن أتصرف دون المرور عبر السفارة. حاولت المرور عبر وزارة الشبيبة والرياضة فتلقيت الجواب نفسه، رغم أن المرحوم السملالي كان يتصل بي يوميا تقريبا لكي يقول: إن سيدنا يسأل: «أين وصلت؟ وهل وجدت المدرب؟»، فكنت أبلغه بكل مستجد وبكل المراحل التي قطعتها . وبعد مقابلة ترافاليني، مثلا، أخبرته بأنني وجدت المدرب المناسب، وأرسلت إليه أكثر من فاكس مازلت أحتفظ بنسخ منها، وسألته عن كيفية إرسال اللائحة إليه، فرد على قائلا: «أنت لا تعمل في وزارتنا. عليك التواصل مع وزارة الخارجية أو وزارة التجارة والصناعة اللتين تتبع لهما»، وعندما اتصلت بالكاتب العام لوزارة الخارجية، المرحوم زنتار، كان جوابه أن لا علاقة للخارجية بذلك الملف، غفر الله له.
الحلقة الثامنة
 
جريدة اخبار اليوم: الإثنين 16 يوليوز 2018
الكتاني: هكذا أوصلت لائحة المدربين إلى المستشار الملكي رضى كديرة.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
 
– بعدما رفضت السفارة والخارجية ووزارة الشبيبة والرياضة تلقي لائحة المدربين منك وإيصالها إلى القصر، كيف تصرفت؟
– معظم هؤلاء كانوا ينتظرون أن أفشل في إنجاز تلك المهمة التي لا تدخل في اختصاصي، وأن أعلن ذلك، حتى تعود الأمور إلى مجراها التقليدي وتمر الأشياء عبر تلك الجهات، بدل أن يتكفل بها مستشار اقتصادي أقل رتبة منهم وخارج سلطتهم، لكنني فاجأتهم بعكس ذلك، حينما أبلغتهم بإنجاز مهمتي تلك في أقل من شهر، وسيكون هذا من سوء حظي، حيث واجهت تعقيدات إدارية خيالية نتيجة هذه الوضعية لم أكن أتوقعها.
– كيف، إذن، أوصلت لائحة المدربين البرازيليين المرشحين إلى القصر الملكي؟
– من حسن حظي أن جهودي في الميدان الاقتصادي، في الأسابيع الأولى بعد وصولي إلى مقر عملي بالبرازيل، ستثمر تنظيم زيارة وزير برازيلي للمغرب، طلب مني مرافقته، الشيء الذي سيمكنني من تقديم نتيجة عملي بخصوص المدرب.
– كيف حدث هذا؟
– في حقيقة الأمر، فإن اهتمامي بملف مدرب الفريق الوطني لم يجعلني أهمل مهمتي مستشارا اقتصاديا بالبرازيل، فمن بين الأعمال التي قمت بها هناك إعادة فتح السوق البرازيلي أمام الفوسفاط والحامض الفوسفوري المغربي، اللذين توقفت مبيعاتهما هناك في تلك السنوات الأسباب لم تكن معروفة لدى الجهات المغربية المعنية، إلى درجة أن المكتب الشريف للفوسفاط اقترح، في مذكرة رسمية مازلت أحتفظ بها، قطع العلاقات مع البرازيل إذا استمرت في إغلاق سوقها أمام منتجاتنا الفوسفاطية.
– هل تمكنت من حل المشكل؟
– الحمد الله، استطعت معرفة سبب تلك الوضعية بمجرد وصولي إلى ريو دي جانيرو، ومقابلة مدير الشؤون القانونية بمديرية الجمارك بطلب مني، حيث اتضح لي أن المشكل ناتج عن مشكل تقني، وليس عن إرادة سياسية تستهدف إبعاد منتجاتنا عن السوق البرازيلي الضخم. كما اهتديت إلى أن حل تلك المعضلة التقنية يمكن أن يكون عبر عقد اتفاقية تجارية بين البلدين تتضمن إجراءات قانونية معينة. وقد عملت ما في وسعي على أن توقع الاتفاقية بالمغرب وبأسرع وقت ممكن، وذلك باستعمالي نفوذ الشركات الكبرى المهتمة بإنجاز المشاريع التي ذكرتها سابقا، حيث رمت بثقلها الذي تتوفر عليه لدى السلطات الرسمية في سبيل عقد تلك الاتفاقية التجارية بين البلدين، وهذا ما حدث بالفعل، حيث زار الوزير البرازيلي المكلف بالتجارة السيد « کامیلو بينا » المغرب مصحوبا بوفد كبير من رجال الأعمال، وقد رافقته في تلك الزيارة.
– اغتنمت الزيارة إذن، التقديم اللائحة إلى القصر. كيف حدث ذلك؟
استغللت فرصة وجودي في الرباط لتقديم نتيجة عملي بالنسبة إلى لائحة المدربين، فأعدت الاتصال بوزارة الخارجية ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الشبيبة والرياضة دون أن أتوصل إلى إقناع أي جهة منها بالعمل على تسليم اللائحة إلى القصر الملكي.
– وكيف أوصلت اللائحة إلى القصر؟
– لجأت في آخر المطاف إلى علاقاتي الشخصية في القصر من خلال المرحوم السيد علي بنيعيش، الحاجب الملكي السابق، وأخيه السيد إبراهيم بنيعيش، أطال االله عمره، والذى، على ما أعتقد، كان خليفة قائد المشور، وكان حاضرا عندما كلفني الملك بالمهمة. فعمل على إخبار المستشار الملكي، المرحوم أحمد رضي كديرة بالموضوع. فاتصلت بي كاتبة هذا الأخير، حيث سلمتها اللائحة ثم غادرت، لتتصل بي بعد مدة وجيزة وتخبرني بأن جلالة الملك أخذ علما باللائحة، وأنه حدد لي موعدا مع الوزير الأول، المعطي بوعبيد، من أجل تزويده بالمعلومات حول المرشحين.

الحلقة العاشرة
 
جريدة اخبار اليوم: الإثنين 16 يوليوز 2018
الكتاني: لقائي مع المعطي بوعبيد بأمر من الحسن الثاني.
 
– إذن، واجهت مشكلة في إيصال لائحة المدربين البرازيليين المقترحين الى القصر بسبب رفض القطاعات الوزارية القيام بالمهمة، فماذا فعلت؟
– لجات في آخر المطاف إلى علاقاتي الشخصية في القصر من خلال المرحوم علي بنيعيش، الحاجب الملكي سابقا، وأخيه السيد إبراهيم بنيعيش، أطال الله عمره، الذي كان يشغل منصب خليفة قائد المشور، حسب ما أعتقده، وكان حاضرا عندما كلفني الملك بالمهمة. فعمل على إخبار المستشار الملكي، أحمد رضی کديرة، بالموضوع. فاتصلت بي كاتبة هذا الأخير، وسلمتها اللائحة ثم غادرت، لتتصل بي بعد مدة وجيزة، وتخبرني أن جلالة الملك أخذ علما باللائحة، وأنه حدد لي موعدا مع السيد الوزير الأول، المعطي بوعبيد، في ساعة محددة، من أجل تزويده بالمعلومات حول المرشحين، أي أنه فوض إلى الوزير الأول اختيار المدرب من اللائحة
فتساءلت في نفسي: «کیف لجلالة الملك أن يفوض الاختيار إلى الوزير الأول الذي يعتبر السيد السملالي من أقرب الناس إليه، خاصة في الميدان الرياضي؟ أليست طريقة غير مباشرة من الحسن الثاني لإعادة نوع من الاعتبار إلى السيد السملالي الذي سبق أن نزع منه هذا الملف؟ وهل سيكون ذلك على حسابي؟». شعرت بأنني وضعت في موقف حرج مرة أخرى، وانني مقبل على تعقيدات إضافية لا قبل لي بها، قد تفاقم مشاكلي مع كل هذه السلطات المختلفة التي لم تقبل مبدئيا بتكليفي بهذه المسؤولية من لدن الملك، علما أن مصدر كل تلك التعقيدات يكمن في أنني تلقيت تلك التعليمات مباشرة من الملك بشكل استثنائي، دون أن تطبق تلك التعليمات في الإطار نفسه، أي بشكل مباشر، وبمتابعة من الديوان الملكي وليس بتدخل من وزارة الشبيبة والرياضة ولا الوزارة الأولي، فهل سأكون ضحية تلك التوازنات السياسية بين القصر والحزب الذي كان يترأس الحكومة أنداك أي الاتحاد الدستوري وما ذنبي انا الذي عملت علي إنجاح تلك المهمة، التي لا تدخل في اختصاصي، بتفان وإخلاص، حتى أكون ضحية تلك التوازنات؟
– وماذا راج في لقائك مع الوزير الأول؟
– ذهبت لملاقاته في الوقت المحدد، فوجدت رفقته السيد السملالي كما توقعت، وهما من الحزب نفسه (الاتحاد الدستوري)، وكلاهما كانا من كبار مسنيري فريق الرجاء البيضاوي، وبعد اطلاعهما على اللائحة دافعت عن المرشح الرئيس، السيد ماريو ترافاليني، لكن الوزير الأول، وبعد اطلاعه على سيرته الذاتية، لاحظ أنه يتوفر على عدة شهادات جامعية، منها العلوم الاقتصادية وتسيير المقاولات، فقال: «هادا عالم ماشي مدرب.. خاصو يمشي يقري فالجامعة.. كيفاش غادي يتفاهم مع هاد الصلاكط ديالنا؟». فهمت من كلامه أن هناك محاولة التسفيه اقتراحي، وكأنه يقول لي إنني لست على علم بالوسط الكروي، وأنني تطفلت على ما لا يعنيني، فأجبته قائلا: «بغض النظر عن الشواهد التي يحملها، ما يهم هو كفاءته العالية في ميدان التدريب، وتصنيفه أفضل مدرب في البرازيل لسنة 1982»، وذكرت أنه مهتم جدا بتدريب فريقنا الوطني ويشترك معنا في الأهداف نفسها، أي التأهل إلى نهائيات كأس العالم المقبلة. فسالني: «كم يطلب كتعويضات مادية»، فقلت: «عشرة آلاف دولار، لكنه قد يكتفي بثمانية آلاف دولار في الشهر»، فرفض قائلا: «هذا مبلغ كبير، علينا البحث عن المدربين الذين لا يطلبون أكثر من ستة آلاف دولار»، ثم نظر إلى أسفل اللائحة واختار منها أحد المرشحين الذين كنت قد أضفتهم فقط على سبيل الاستئناس، كما أوضحت سابقا.
فتساءلت مع نفسي: «ماذا يعني هذا الاختيار الذي لا يراعي فيه إلا الجانب المالي؟ هل يعني ذلك أن الوزير الأول لا يريدني أن أنجح في اقتراح المدرب الذي يتوفر على المواصفات التي طلبها الملك، أي مدرب جيد جدا؟ وهل يعمل بهذا الاختيار على إفشال مهمتي حتى يعود الملف إليهم؟
– ماذا حدث بعد ذلك؟
– أبلغني السيد الوزير الأول بأن الكلام انتهي، وأن على ان أنفذ أوامره، وأن أبعث المدرب الذي اختاره بمجرد عودتي إلى مقر عملي بريو دي جانيرو. ثم وقف وصمت، ما يعني أن على المغادرة، لكنني بقيت جالسا وأصررت على إبداء موقفي من هذا الاختيار، فقلت: «لقد اخترتم المدرب الذي لا يتوفر على المواصفات التي حددها الملك عندما كلفني بهذا العمل حين قال: « أبحثوا لنا عن مدرب جيد جدا للفريق الوطني، الشيء الذي أعتبره تغييرا واضحا للتعليمات الملكية، لذلك سأطبق أوامركم، وسأرسل المدرب الذي اخترتموه إلى المغرب في أقرب الآجال، لكن بمجرد التوصل كتابة باختياركم هذا»، غضب الوزير الأول أشد الغضب من كلامي، لأنه يتضمن شرط توثيق اختياره كتابيا، وتحميله مسؤولية ذلك الاختيار، فإذا به ينفعل وتتوتر، ويصيح في وجهي «كيفاش؟»، مشيرا إلي بالخروج من مكتبه.
– لماذا أصررت على توثيق اختيار الوزير الأول؟
– لقد عملت بنصيحة الكولونيل بلمجدوب، فهم يريدون أن يحملوني مسؤولية اختيار المدرب الأقل كفاءة، وإذا لم ينجح أتحمل أنا المسؤولية. لقد حذرني منهم المرحوم بلمجدوب منذ الوهلة الأولى، متوقعا أنهم سيعملون على إفشال مهمتي ومحاربتي بكل الوسائل وكان هم السيد الوزير الأول هو تعقید مهمتي ولو على حساب مصلحة الفريق الوطني.
– وكيف كان الحل؟
– عند عودتي إلي ريو دي جانيرو، وجدت نفسي في مأزق كبير، فالوزير الأول ووزير الشبيبة والرياضة يرفضان تبلیغي اختيارهما كتابيا، والسيد السفير يعتبر أنني أقوم بعمل لا يندرج تحت سلطته، ولا يخضع اللمساطر الإدارية المعتادة، وشاطره في رأيه السيد الكاتب العام لوزارة الخارجية، أما السيد السملالي، الذي كان يتصل بي بشكل شبه يومي، فكنت أشعر بأنه كان يجاملني لأنه مكلف من جلالك الملك بمتابعة عملي في هذا الملف وإبلاغه بالنتائج. ما كان مطلوبا مني هو أن أبعث إليهم المدرب الذي اختاروه شفويا، وأنا أصر على التوصل بأمر مكتوب من جانبهم، وهو الشيء الذي اعتبروه تمردا على سلطتهم، في حين أنني لم أرفض تطبيق أوامرهم، وإنما طالبت بأن تكون التعليمات مكتوبة وليست شفوية وهو حق مشروع إداريا.
الحلقة الحادية عشرة
 
جريدة اخبار اليوم: الجمعة 20 يوليوز 2018
الكتاني: اصطدامي مع المعطي بوعبيد.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
 
– إذن، كيف تصرفت أمام رفضهم توثيق اختيارهم المدرب كتابيا؟
– مع اقتراب ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي شاركت فيها عدة دول، مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وتركيا ومصر والجزائر وتونس، وغيرها من الفرق، وفي غياب مدرب للفريق الوطني، اتصل بي الوزير السملالي وقال لي: «عليك تنفيذ اختیار الوزير الأول»، فقلت له: «لا أناقش هذا الاختيار، أنا مجرد موظف، وأنا مستعد لتطبيق الأوامر شريطة أن تكون مكتوبة»، فقال لي: «إن الملك يسأل عن تاريخ وصول المدرب، وإنك ستقع في المشاكل».
حينها اهتديت إلى طريقة إدارية، سبق أن استعملتها بنجاح خلال فترة عملي في مديرية الصناعة أوائل السبعينات. هذه الطريقة تفيد بأنه إذا كنت تنتظر أمرا مكتوبا لتطبيقه ولم يصلك، في حين أنك ملزم بإنجاز ذلك العمل في مدة محددة، يمكنك اخذ المبادرة ومراسلة الجهة المعنية لتذكرها بتفاصيل الملف بكل وضوح، ثم تبلغها بما عليك أن تقوم به إذا لم يكن هناك مانع في ذلك »
في هذه الحالة، وبما أن تلك الجهة لا تستطيع تكذيب ما جاء في رسالتك من سرد للأحداث الموثقة، فإنها لن تجرؤ على منعك كتابيا من إنجاز عملك، حينها سيصبح مرخصا لك قانونيا إنجاز مهمتك بموافقة تلك الجهة وبطريقة مكتوبة.
– هل وجهت إليهم رسالة إذن؟
– كتبت إلى السيد الوزير الأول رسالة مطولة أبلغه فيها عبر الفاكس بتفاصيل الملف من حيث الأمر الملكي بشأن إيجاد مدرب برازيلي جيد جدا، واقتراحي السيد «ترافالينیه ضمن الثلاثة مرشحين الأولين الذين يدخلون في هذا التصنيف وذكرته باختياره مدربا من مستوى أقل تصنيفا على أساس أجره الشهري الذي وضع سقفا له في حدود ستة آلاف دولار، وقلت له إنني سأقوم بتطبيق تعليماته في أقرب الآجال إذا لم يكن له اعتراض على ذلك. وهكذا وثقت كتابة ما حدث، وأصبحت تعليمات السيد الوزير الأول مكتوبة من طرفي إذا لم يعترض عليها.
– كيف كان رد السيد الوزير الأول؟
– كما توقعت، دون جواب. طبعا اتصل بي السملالي غاضبا، معتبرا أن تلك الرسائل تتضمن إساءة أدب إزاء شخص السيد الوزير الأول.
– ماذا حدث بعد ذلك؟
– طبعا كنت واعيا بأن موقفي هذا سيفهم على أنه تمرد من طرفي على صلاحيات السيد الوزير الأول، لأن المعهود في نظامنا المخزني التقليدي هو أن التعليمات تنفذ ولا تناقش، رغم أنها في أغلب الأحيان تكون تعلیمات شفوية. لذلك كنت أعلم، وأنا أكاتب السيد الوزير الأول، أنه سيعتبر مكاتبتي له تحديا لسلطته وإهانة لشخصه.
فمنطق السلطة في بلادنا يقر بأن صاحب القرار ليس هو من يتحمل مسؤولية النتائج المترتبة عليه إن كانت سلبية، لأن المخزن لا يحاسب في كل الحالات، وكلمته تبقى هي العليا. فهذا المنطق المخزني يهيمن، مع كامل الأسف، حتى على رجالات الدولة الذين يحملون ثقافة قانونية، كما هو الشأن بالنسبة إلى السيدين المعطي بوعبيد وعبد اللطيف السملالي رحمهما الله. وأقولها بكل وضوح: لن يستقر أمر هذه البلاد على الطريق الصحيح مادام هذا المنطق المخزني المتجذر في مجتمعنا منذ قرون يسود في أوساط منظومتنا التنفيذية بذريعة الحفاظ على هيبة الدولة، ولو خارج القانون.
فلو كان السيد الوزير الأول يؤمن بفكرة ربط المسؤولية بالمحاسبة، لبادر إلى القول عندما كنت بمكتبه: «هذا هو اختياري وستتوصل به مکتوبا، وما عليك إلا تطبيقه». هذا طبعا لو كنا في دولة الحق والقانون كما كان يزعم هؤلاء المسؤولون.

الحلقة الثانية عشرة
 
جريدة اخبار اليوم: الإثنين 23 يوليوز 2018
الكتاني: هكذا سافرت رفقة فالانتي وزوجته من البرازيل إلى المغرب.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
 
– بعدما وجهت رسالة إلى الوزير الأول حول اختيار المدرب، هل نفذت ما طلبوه؟
– فعلا اتصلت بالمدرب الذي اختاروه، واسمه «باریوس دا سيلفا»، علما أنني لم أقابله من قبل، لكن تبين أنه لم يعد مستعدا القبول العرض المغربي، فطلب مني السيد السملالي أن أعيد البحث عن مدرب آخر بسرعة من اللائحة أو من خارجها، لكن في حدود السقف المادي المحدد من طرف السيد الوزير الأول، أي 6000 دولار حدا أقصى، الشيء الذي أدى إلى استبعاد العديد من المرشحين الجيدين جدا، خاصة السيد «فافا» والسيد «جاوو سالدانا»، المدرب السابق للفريق الوطني البرازيلي سنة 1970، واللذين التقيتهما عدة مرات.
– إذن، كيف جرى الاختيار؟
– وقع اختياري من خارج اللائحة ومن ضمن مجموعة من المرشحين الذين أعدت الاتصال بهم، على السيد «جايمي فالانتي»، والحمد الله كان اختيارا موفقة. فهو لم يكن فقط مدربا لكرة القدم من الجيل الجديد، بل كان كذلك أستاذا بجامعة ريو دي جانيرو يدرس في شعبة كرة القدم. سبق أن اشتغل مدربا مساعدا للراحل «كوتينيو» في قيادة فريق فلامينغو البرازيلي، الذي حاز سنة 1981 كأس العالم للأندية، وهو الفريق الذي كانت شهرته تضاهي شهرة فريقي البارصا : والريال حاليا، حيث كان يضم في صفوفه المتألق زیکو، ومدافعي الفريق الوطني جونيور ولیاندرو. وبعد تعيين السيد كوتينيو مدربا للفريق الوطني البرازيلي سنة 1977، عوضه السيد جايمي فالانتي على رأس هذا الفريق الذائع الصيت، والذي كان ينعت بمختبر كرة القدم العصرية. هكذا سيكون مدربا لخمسة لاعبين مرموقين في الفريق الوطني البرازيلي، على رأسهم زیکو، بعدها كلفتة الكونفدرالية البرازيلية لكرة القدم بالإشراف على تدريب الفريق الوطني للهواة، والفريق الوطني للشباب (جونیور).
– كيف التقيته؟
– كنت قد قابلته عندما كنت أعد اللائحة الأولى، غير أني لم أدرج اسمه لأنني حينها كنت أبحث عن مدرب بمعايير عالية جدا مقارنة بتصنيف السيد جايمي فالانتي، وهو المحسوب على الجيل الجديد من المدربين، وحينما طلب مني أن أعيد البحث عن مدرب آخر بأجر داخل السقف المحدد، أخرجت ملفه، والتقيته عدة مرات في مكتبي في أواخر سنة 1982، حيث شعرت بأنه مهتم جدا بالعرض لأنني ركزت كثيرا على هدف المغرب في التأهل إلى كأس العالم. لكنه، بعدما ناقشنا بنود مشروع العقد بكل تفاصيله، والذي يتضمن أجرا شهريا بقيمة 5000 دولار، ومنحة التوقيع بقيمة 40 ألف دولار، طلب مني بإلحاح توقيع العقد في البرازيل، والحصول على الشطر الأول من منحة التوقيع قبل التحاقه بالمغرب، كما اشترط أيضا أن يكون مصحوبا بمساعد برازيلي مختص في اللياقة البدنية. اتصلت بالسيد السملالي وأخبرته بما آلت إليه مفاوضاتي معه، وطلبت منه تدبير المبلغ المطلوب، وهو عشرون ألف دولار، لكنه رد بأن الجامعة المغربية لكرة القدم ليس بإمكانها أن توفر المبلغ بالعملة الصعبة في المدة القصيرة المحددة، فطلب أن يوقع المدرب العقد بالمغرب، وأن يؤجل النظر في استقدام المساعد البرازيلي إلى ما بعد قدوم فالانتي إلى المغرب. الشيء الذي رفضه هذا الأخير، حيث أصر على ضرورة الحصول على الشطر الأول من منحة التوقيع قبل التحاقه بالمغرب، وعلى ضرورة أن يصاحبه معد بدني من البرازيل. فكان علي مرة أخرى أن أجتهد، حتى لا أفوت فرصة التعاقد مع هذا المدرب، خاصة أن الوقت لم بعد يتسع للبحث من جديد عن مدرب آخر، في ظل استعجال جلالة الملك قدوم المدرب البرازيلي. فلجأت إلى اقتراض 20 ألف دولار من أحد أصدقائي بضمانة خاصة من طرفي، وقدمتها نقدا للسيد فالانتي في مكتبي حسب طلبه، وهنا سيفاجئني بطلب آخر، وهو ضرورة مرافقتي إياه إلى المغرب حتى أضمن له تحقيق كل الشروط التي اتفقنا عليها في مشروع العقد الذي
س يوقعه في المغرب. حدث هذا ونحن على بعد يوم واحد من السفر على متن الرحلة التي لا تنطلق إلا مرة واحدة في الأسبوع عبر الخطوط المغربية، فتساءلت في نفسي: كيف أحصل على موافقة السيد السفير وهويعارض أصلا حتى قيامي بهذه المهمة، على غرار وزارة الخارجية ؟
– هل رافقت إذن السيد فالانتي إلى المغرب؟
– كنت مضطرا إلى ذلك، لأنه رفض السفر دوني. مرة أخرى وجدت نفسي في مأزق الاختيار بين إنجاح المهمة خارج المساطر، أو التقيد بها حتى لو تسببت في فشل المهمة. ومرة أخرى سأختار الحل الأول وأنا على علم بالمشاكل التي قد تترتب على ذلك الإختيار، وهكذا، أرسلت فاكس إلى الخارجية لإبلاغهم بأنني مضطر إلى مرافقة المدرب المقترح إلى المغرب لإتمام عقده بطلب منه، إن لم يكن لديهم مانع في ذلك، فلم أتوصل بأي جواب قبل موعد السفر، فسكان على إذن أن أشتري تذكرة الطائرة من حسابي الخاص، وأن أطلب التعويض فيما بعد، وهكذا سافرت مع المدرب فالانتي وزوجته إلى المغرب نقلتهما إلى الفندق الموجود على بضعة أمتار من وزارة الشبيبة والرياضة قرب مسجد السنة بالرباط. أذكر أننا وصلنا يوم السبت، وكان مقررا أن نذهب إلى السيد السملالي يوم الاثنين لإبرام العقد. فاقترحت عليه أن أرافقه يوم الأحد لزيارة بعض معالم الرباط، فكان جوابه أنه يفضل أن أنقله إلى بعض الفضاءات العشوائية في الأحياء الشعبية حيث يلعب الأطفال كرة القدم وأن يحضر أي مباراة إن أمكن ذلك. فوجئت بطلبه، ونظرا إلى عدم توفير الجامعة مرافق وسيارة له، اضطررت إلى تدبر الأمر مرة أخرى، فاستعملنا سيارة أخذتها من أحد أقاربي، وتوقفنا قرب فضاء شعبي بجوار محطة القامرة بالرباط، حيث كان يلعب مجموعة من الشباب والأطفال، فبقي يراقب اللعب مدة طويلة، بعدها قال لي: «من المؤكد أن لديكم المادة الخام الضرورية لتشكيل منتخب متميز». وبعدها أخذته إلى مدينة المحمدية لمشاهدة مباراة النادي المحلي في إطار البطولة الوطنية، حيث علق على مجرياتها بطريقة بدا فيها هرم التدريب حينها، السيد «الخميري»، قديم الطراز أمام الأساليب العصرية والمتطورة التي يتبناها السيد فالانتي، الذي استضفت في تلك الليلة صحبة زوجته ببيت خالی الحاج حفيظ اللبار.

الحلقة الرابعة عشرة
 
جريدة اخبار اليوم: الثلاثاء 24 يوليوز 2018
الكتاني: هكذا سافرت رفقة فالانتي وزوجته من البرازيل إلى المغرب.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
‎- كيف مرت إذن أجواء الاتفاق على بنود العقد مع فالانتي؟
– بعد وصولي رفقة جايمي فالانتي إلى المغرب، ذهبنا إلى السيد السملالي بالوزارة، حيث كنت أحمل معي مشروع العقد بالبنود التي اتفقت عليها مع السيد فالانتي بريو دي جانيرو. من ضمنها أن يمتد العقد إلى أربع سنوات، أي إلى غاية سنة 1986 موعد كأس العالم. في الأخير لم أحصل على نسخة من العقد النهائي إلا في وقت لاحق، فتركت المدرب في المغرب وغادرت إلى البرازيل. لم أعد أتابع ما حدث لأن أخبار المغرب لا تصل إلى البرازيل إلا عبر بعض القنوات الفرنسية، والسيد السملالي لم يعد يتصل بي، وكم كنت سعيدا عندما علمت بفوز المنتخب المغربي في ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي نظمت بمدينة الدار البيضاء في شهر شتنبر من السنة نفسها 1983.
– كيف إذن سينتقل تدريب المنتخب المغربي إلى فاريا؟
– قبل الحديث عن المرحوم فاريا، لا بد أن أنقل لك ما حدث للسيد جايمي فالانتي في المغرب. وأنا أزاول عملي الاقتصادي، وبعد مرور شهور على انتهاء تلك المهمة الرياضية الخارجة عن مجال عملي، إذا بي أفاجأ في أحد الأيام بقدوم السيد جايمي فالانتي إلى مكتبي في ريو دي جانيرو، وكان قد مر أقل من عام على تحمله مسؤولية الفريق الوطني. فوجئت به وهو يبلغني بأنه جاء للتو من المغرب حيث توجه إلي مكتبي مباشرة من الطائرة، رغم أنه حضر قبيل سفره اجتماعا عاديا مع الجامعة دون إشعارهم بقراره مغادرة المغرب، وقال لي: «قررت أن أترك بلدكم نهائيا دون سابق إشعار للمسؤولين هناك! وها أنا أخبرك رسميا بفسخ العقد الذي يجمعني بالجامعة المغربية لكرة القدم، لأنهم لم يوفروا لي الشروط الملائمة لإنجاز مهمتي والمنصوص عليها في العقد، وها أنا أخبرك بذلك بصفتك أول مسؤول اتفقت معه على البنود. عليك إعلام الجهات المعنية بذلك».
– ولمَ أقدم فالانتي على تصرف غريب كهذا، حيث غادر المغرب دون سابق إنذار؟
– لقد استغربت قراره في البداية، والطريقة التي اختارها لإنهاء العقد، فكان أجاب بأنه أصبح من المستحيل عليه متابعة عمله في ظل الظروف غير المعقولة والإكراهات التي فرضت عليه أثناء تدريب المنتخب طيلة السنة التي قضاها بالمغرب، وبعدما حكى لي بالتفصيل عن مجموعة من العراقيل التي وضعوها أمامه، قال: «إذا أرادت الجامعة أن ترفع دعوى ضدي فلتفعل، لكنها لن تستطيع ذلك، لأنني سأواجههم بالحقائق، وسأفضح تصرفاتهم اللامسؤولة». كان يتحدث بألم وحرقة بالغين، قائلا إنه عشق المغرب والمغاربة الذين مافتئوا يعبرون عن إعجابهم بما يقوم به، لكن المسؤولين عن الرياضة ليسوا في المستوى المطلوب، ولا يستحقون تمثيلها، لكن الأدهى من ذلك أنهم يعتقدون أنفسهم من الكبار المختصين في هذه الرياضة، في حين أنهم بعيدون كل البعد عن معرفة كرة القدم ومعطياتها العصرية.
– ماذا حدث له؟
– قال لي إنهم اجتهدوا لإفشال مهمته، واشتكى محاولات الجامعة فرض رأيها في اختيار اللاعبين، على أساس اللائحة التي قدموها له عند وصوله والتي كانت، حسب رأيهم، تضم أحسن اللاعبين، مطالبين إياه الاكتفاء بهذه القائمة، في حين أنه كان يرفض هذه الطريقة في فرض أسماء لم يخترها بنفسه لأنه «ناخب وطني» وليس «مدربا» حسب الطريقة التقليدية التي مازالوا يعملون بها، حيث قال لهم: «مسؤوليتي الأولى هي تشكيل الفريق، وتحمل مسؤولية اختيار عناصره، أما فكرة التدريب التقليدية، فإنها أصبحت متجاوزة من منظور الجيل الجديد الذي أنتمي إليه»، وأخبرني بأنه عندما أراد القيام بدور الناخب الوطني، طلب من الجامعة زيارة الفرق المغربية لمعاينة أوضاعها واكتشاف لاعبين جدد خارج اللائحة والمواهب الصاعدة، لكنه لم يجد آذانا صاغية، حيث لم ينظموا له تلك الزيارات.
– هل حدثك عن السبب المباشر الذي دفعه إلى مغادرة المغرب؟
– السبب المباشر هو التعارض الكلي بين اختياراته وتوجهات المسؤولين عن هذه الرياضة بالمغرب، وذلك رغم النجاحات التي حققها في أقل من سنة، ودعني أقص عليك بعض الأشياء الغريبة التي حكاها لي عن تصرف بعض أفراد الجامعة. مرة كان المنتخب يلعب مباراة إقصائية في دولة إفريقية، وكان الجو حارا، فلاحظ في فترة الاستراحة أن عضوا بالجامعة أحضر 4 قنينات ماء فقط، قنينة لكل ثلاثة لاعبين، وعندما سأله عن هذا العبث، قال إن ثمن الماء المعدني مرتفع جدا في ذلك البلد، فغضب فالانتي وقال للمسؤول في الجامعة: «ماذا تفعلون أنتم الأربعة معي؟ هل طلبت منكم مصاحبة الفريق؟ فثمن تذكرة طائرة للواحد منكم تكفي لشراء مئات القنينات من الماء»، وقال لي: «إنهم جماعة من المتطفلين الذين يقتاتون من عمل لا علاقة لهم به». وفي موقف آخر، حين كان بصدد التهييء لمباراة مهمة في دولة إفريقية أخرى، وحتى يغير من طريقة التمارين، طالب الجامعة بتمكينه من أحد الفرق المغربية لإجراء تلك التمارين، لكنهم رفضوا بحجة أن لديه ثلاثين لاعبا، وما عليه إلا أن يشكل منهم فريقين. لكن أمام إصراره على طلبه، تدخل أحد الحاضرين بالصدفة، وهو موظف في كتابة الجامعة، ليذكر بأن الفريق الوطني «الأمل» يوجد حاليا في تجمع بمدينة المحمدية، فطالب السيد فالانتي بإلحاح أن يتمكن من إجراء تدريباته مع ذلك الفريق.

الحلقة الخامسة عشرة
 
جريدة اخبار اليوم: الأربعاء 25 يوليوز 2018
الكتاني: فالانتي هو من اكتشف التيمومي والحداوي وبودربالة.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
 
– هل تمكن فالانتي من إقناع مسؤولي الجامعة بإجراء التدريب بين المنتخب الوطني وفريق الأمل؟
– نعم، لأنه استدل ببند في العقد الذي يربطه بالجامعة، والذي يتكفل بموجبه بالإشراف على فريق الأمل أيضا. هكذا جرت تلك المقابلة التدريبية، ولم يمض سوى نصف ساعة حتى لاحظ قدرات لدى بعض أفراد ذلك الفريق الشاب، فذكر لي أرقام بعض الذين أثاروا انتباهه، ولم أعد أتذكر إلا رقم 7 أي «الحداوي»، ورقم 4 الذي كان يحمله «البيان»، وقبل انطلاق الشوط الثاني طلب السيد فالانتي من ممثلي الجامعة تسجيل حوالي خمسة لاعبين من هذا الفريق، وإلحاقهم بالفريق الوطني، ملحا على أن يشاركوا في المباراة المرتقبة بإفريقيا، لكن مسؤول الجامعة رفض هذا القرار بحجة عدم توفر الوقت الكافي لتهييء تأشيرة السفر، فكان جوابه: «هذا لا يهمني فأنا لن أسافر إلا بمعيتهم». فجري الاتصال بالوزير السملالي. وفي الأخير وافقوا على سفرهم مرغمين، ولعبوا مع المنتخب الذي عاد بفوز من تلك المقابلة. وحسب ما رواه لي، فقد اندلع نوع من الحرب الباردة بين المدرب وأعضاء الجامعة مباشرة بعد عودته إلى المغرب، وكذلك مع السيد الوزير الذي لم يعد يتحدث معه إلا شكليا، أما المرحوم دومو، العضو البارز في الجامعة، فقد كان يمتنع حتى عن تحيته.
– ما هي أبرز الإنجازات الكبرى التي حققها فالانتي رفقة المنتخب الوطنية ؟
– جاءت الألعاب المتوسطية، التي نظمها المغرب في تلك السنة، وكانت أهم حدث رياضي بالنسبة إلى المغرب وتضم العديد من الألعاب، إلا أن كرة القدم هي التي كانت تخطف كل الأضواء، فقد نجح الفريق الوطني لكرة القدم في الحصول على الميدالية الذهبية رغم وجود فرق عريقة، بينها فرنسا وإيطاليا واليونان وإسبانيا ومصر ودول المغرب العربي، بالإضافة إلى تركيا التي لعبت ضد المغرب في المباراة النهائية، رغم توقعات المسؤولين التي كانت تستبعد أن يتجاوز هذا الفريق في تشكيلته الجديدة المرتكزة على الشباب دور التصفيات. والغريب في الأمر أنه بعد الفوز في المباراة النهائية، حسب ما حكاه الي السيد فالانتي، كان هناك من المسؤولين، وضمنهم السید دومو عضو الجامعة، من رفضوا حتى تقديم التهاني إليه، وكأنهم كانوا يفضلون أن يقصي الفريق في الأطوار الأولى، حتى يكون رأيهم هو الصائب، في الوقت الذي كان الجميع يهنئه بالفوز.
– وهل حدثك عن مستوى لاعبي المنتخب الوطني؟
– طبعا، فعندما سألته عن مستوى الفريق الوطني ولاعبيه، لأنني لم يسبق لي مشاهدة أي مباراة لهم نظرا إلى وجودي بالبرازيل، كان جوابه لافتا للاهتمام، وقال لي بفخر إنه ترك وراءه فريقا سيدهش العالم لاحقا بمهاراته وقدراته الاستثنائية ثم أضاف قائلا، وهي شهادة أنقلها لأول مرة: «إن هناك ثلاثة لاعبين على الأقل ضمن هذا الفريق مؤهلين ليلعبوا رسميين في فريق فلامينغو»، وهو أفضل فريق حينها في العالم، ويضم 5 نجوم من المنتخب البرازيلي، فسألته عن هويتهم، فرد قائلا: «الزاكي، التيمومي وعزيز بودربالة». إنها ش هادة متميزة في حق هؤلاء اللاعبين الذين لم يأخذوا ما يستحقون من حقهم. وسيتأكد كلام السيد فالانتي ثلاث سنوات بعد هذا اللقاء، حينما سيشارك الثلاثة في نهائيات كأس العالم في المكسيك سنة 1986 بالمستوى العالي والمتميز الذي ظهروا به، علما أن الحارس الوطني بادو الزاكي اختير ضمن التشكيلة المثالية لتلك النهائيات.
– كيف كان رد فعل الجامعة على «هروب» المدرب؟ وهل تابعوه قضائيا، أم توصلوا معه إلى تسوية؟
– الجامعة كانت تعرف أنها إذا احتجت على مغادرة فالانتي، وإخلاله بالعقد المبرم معها، فإنه سيخرج للعلن ويقول كلاما سلبيا عنهم، قد يعقد علاقتهم بالحسن الثاني، خاصة بعدما كان قد سحب منهم مهمة البحث عن مدرب برازیلی، كما سبق ذكره.

الحلقة السادسة عشرة
 
جريدة اخبار اليوم: الخميس 26 يوليوز 2018
الكتاني: أول اتصالاتي بالمهدي فاريا.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
– إذن، ماذا حدث بعدما تخلي المدرب فالانتي عن تدريب المنتخب المغربي؟
– حصلت أمور لم تكن في الحسبان. الأقدار ساقتني إلى أمر آخر غیر منتظر، فقبل أن «يهرب» السيد فالانتي من المغرب بمدة وجيزة حيث سيخبرني بتخليه عن تسيير المنتخب الوطني في الظروف التي تحدثت عنها سابقا اتصل بي السيد السملالي، وأخبرني بأن الملك كلفه بإبلاغي بأن أقوم بالبحث عن مدرب برازيلي آخر لفريق الجيش الملكي. لقد استبشرت خيرا بهذا الطلب، لأنه يعني أن الملك كان راضيا عن النتائج التي حققها المدرب جايمي فالانتي مع المنتخب الوطني، وهي النتائج التي كنت أجهلها في تلك الفترة نتيجة شح الأخبار التي كنت أتوصل بها عن الرياضة المغربية.
أخرجت الملف الذي سبق أن أعددته عن المدربين وبدأت البحث من جديد. جمعت عددا من ملفات مدربين ذوي مواصفات قد تصلح لفريق الجيش الملكي، خاصة من حيث الانضباط، واستقبلت عددا منهم، وفي الأخير اهتديت إلى مرشحين اثنين، اقترحتهما على السيد السملالي. لكن هذا الأخير أعاد الاتصال بي ليذكرني بأن الأمر يقتضي أن تضم الاقتراحات الموجهة إلى الملك ثلاثة أسماء مطالبا إياي بإضافة اسم ثالث في أقرب الآجال ولو بطريقة شكلية، نظرا إلى ضيق الوقت، فطلبت من كاتبتي إعادة إخراج الملفات السابقة، واهتديت إلى ملف السيد خوصي فاريا، الذي سبق أن وضع ترشحه حينما كنت أبحث عن مدرب للفريق الوطني منذ سنة، وعند دراسة ملفه، الذي لم يكن يحتوي على معلومات وافية ستطلعني الكاتبة على أخبار غريبة بشأنه، حيث قالت لي: «هذا مدرب أمره عجيب، فهو لا يخسر مبارياته إلا نادرا، رغم أنه لا يتوفر على دبلومات في التدريب، إلى درجة أنه أصبح مشهورا نتيجة انتصاراته المتكررة ب«المدرب الذي لا يهزم»، وهو ما يحير الأوساط الكروية بولاية ريو دي جانيرو»، وأضافت ضاحكة: «من الناس من يعتقد أن عندو شي فقيه، أو ربما يستعمل الشعوذة، لأن من يشاهد المباريات التي يقودها هذا المدرب لا يعرف بالضبط ما هي تكتيكاته، وما هي خططه التي تمكنه من تلك النتائج؟».
– وماذا عن مسيرته الكروية؟
– كانت مسيرته تتلخص في تأطير الشبان من معظم الفئات، وله قدرة خارقة على فهم سلوكياتهم والتأقلم الإيجابي مع أحاسيسهم وانشغالاتهم. أما عن خصائص المرحوم المهدي فاريا، فإنني سأذكر الوفاء وعدم اهتمامه بالجانب المادي. فوفاؤه لفريقه الأصلي الذي ترعرع في أحضانه كان واضحا. لقد قضى معظم مساره الكروي مع فريق «فلومينينس» لاعبا ثم مدربا خاصة للشباب من كل الفئات. أشير إلى أن فريق فلومينينس يعد من أعرق الفرق التي نشأت في البرازيل، ويمكن مقارنته بفريق الوداد البيضاوي من حيث الشهرة والعراقة، وهو الفريق الذي سيتفرع عنه فريق فلامينكو. فاز المرحوم فاريا مع كل فئات الصغار واليافعين والشباب لفريق فلومينينس بمعظم البطولات المحلية طيلة سنوات السبعينات. ولأنه أصبح مختصا في العمل مع الفئات الشبابية، سيلتحق بدولة قطر في أواخر سنة 1979 للإشراف على تدريب فريقه الوطني للناشئين (أقل من 20 سنة)، وهناك سيحقق شبة معجزة، إذ سيصل بهذا الفريق في أقل من سنتين إلى المباراة النهائية لكأس العالم للناشئين، والتي نظمت بمدينة سيدني الأسترالية سنة 1981 حيث استطاع أن يهزم فرقا كبيرة، كبولونيا، البرازيل، وإنجلترا، ليتوج بالفضية بعدما خسر النهائي ضد فريق ألمانيا الغربية، وهي النتيجة التي لم يكن يتوقع أحد أن تحققها قطر في تلك الفترة، وهي الدولة العربية الحديثة العهد بكرة القدم، وذات الموارد البشرية المحدودة. تجدر الإشارة إلى أن هذا الإنجاز العظيم للمهدي فاريا بیقی استثنائيا، لأنه لم يحققه أي بلد عربي، لا قبل ولا بعد ذلك التاريخ.
– وماذا عن الجانب المادي؟
– أكاد أجزم بأنه المرشح الوحيد الذي، طيلة لقاءاتي المتعددة معه، لم يفاتحني في ما يخص الجانب المادي، ولم يقدم أي شروط من هذا القبيل، كما حدث مع معظم المرشحين الذين استقبلتهم أو قدموا ترشحهم. وقد علمت لاحقا أنه كان يقتسم جزءا من مدخوله مع بعض اللاعبين المعوزين.
– كيف كان لقاؤك الأول بالسيد الفاريا؟
– أعترف بأنني في البداية لم أتحمس لترشيحه الفريق الجيش الملكي ذي الانضباط العسكري، لأنه كان يبدو بوهيميا، لأن تصرفاته التي سأتحدث عنها لاحقا كانت توحي بذلك. الجانب السلبي الآخر هو كونه يفتقر إلى معرفة باللغات للتواصل بالإضافة إلى محدودية تكوينه النظري، حيث لا يتوفر على أي دبلوم في التدريب. فكيف سأرشحه وهو لم يقدم لي سيرته الذاتية مكتوبة أسوة بكل المدربين الذين استقبلتهم منذ سنة، حتى أبعثها مع ملف ترشيحه؟ إلا أنه نتيجة ميلي إلى تفهم كل مايبدو غريب الأطوار وخارج عن المعتاد، طلبت من الكاتبة أن ترتب لى موعدا معه. لكن المشكلة أنه لم يكن له عنوان قار، وقليلا ما كان يرد على اتصالاتها برقم الهاتف الوحيد المتوفر لديها. لقد بذلت السيدة الكاتبة جهدا كبيرا في سبيل العثور عليه، ولم تجده إلا بمساعدة أحد أقاربها، فذكرته بملف الترشح الذي سبق أن وضعه لتدريب المنتخب المغربي قبل سنة، واستطاعت بلباقتها أن تقنعه بزيارتي في المكتب، وربما كان قبوله فقط من باب المجاملة، لأنه أبلغها بأنه على وشك التوقيع مع فريق برازيلي.
الحلقة السابعة عشرة
جريدة اخبار اليوم: الجمعة 27 يوليوز 2018
الكتاني: الحسن الثاني هو الذي اختار فاريا
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
– كيف بدا لك فاريا أول مرة؟
– بدا لي رجلا بسيطا بملابسه الرثة، وفي يده حقيبة جلدية صغيرة بالية. كان يلبس قميصا من نوع «بولو»، لا يغطى بطنه السمين بعض الشيء، ولم يكن يعطي الانطباع بأنه هو ذلك المدرب المغمور الذي يحقق كل تلك النجاحات. وجدت صعوبة في الحديث معه، لأنه لا يتكلم إلا بالبرتغالية، وأنا لا أتحدث هذه اللغة وإن كنت قد بدأت أفهمها قليلا. استعنت بالكاتبة للترجمة، لأشرح له أن صاحب الجلالة ملك المغرب يريد مدربة برازيليا الفريق الجيش الملكي، وأن هذا الطلب جاء نتيجة النجاح المتميز الذي حققه المدرب البرازيلي السيد جايمي فالانتي، الموجود حاليا بالمغرب، مع المنتخب الوطني. فإذا به يفاجئني بالقول: «أعرف جيدا السيد فالانتي لأنه كان مساعدي بدولة قطر حينما كنت أشرف على تدريب الفريق القطري للشباب»، وهو الفريق الذي بلغ المباراة النهائية لكأس العالم للشباب كما سبق ذكره، وهذا فاجأني، لأنني لم أتذكر هذه الجزئية في سيرة فالانتي الذاتية. حينها فهمت أنهما كانا يكملان بعضهما البعض، فالنقص الذي كان يبدو عند السيد فاريا في مجال التكوين النظري، كان السيد فالانتي يملؤه بثقافته الجامعية وأفكاره العصرية المستقبلية فيما استفاد هذا الأخير من تجربة وخبرة فاريا الميدانية والتواصلية لفهم مختلف عقليات لاعبيه، خاصة الشباب والهواة.
– هل توصلت معه إلى نتيجة؟
– سألته عن سيرته الذاتية، فأجاب: «ليست عندي سيرة ذاتية مكتوبة»، لكنه وقف وأخرج من حقيبته مجموعة من الأوراق، وضعها فوق مکتبي قائلا: «هذه إنجازاتي»، فإذا بها عبارة عن قصاصات من الصحف، تتحدث عن الألقاب التي فاز بها، سواء مع فريق «فلومينينس» أو مع شباب دولة «قطر»، وهي قصاصات مازلت أحتفظ بها.
– ماذا فعلت حينها؟
– اتصل بي الوزير السملالي مجددا يحثني على إرسال الاسم الثالث، فاقترحت عليه اسم السيد فاریا، على أن أتولى إعداد سيرته الذاتية بنفسي من خلال المعلومات المتوفرة في قصاصات الجرائد. قلت في سيرته إنه مختص في تدريب الشباب والهواة، وإنة مشهور بالفوز بمعظم المباريات التي يخوضها، مبرزا الألقاب التي حققها مع تلك الفئات، س واء بالبرازيل أو في دولة قطر، دون الإشارة إلى أي شهادة أو تكوين نظري في التدريب، وأرسلتها بالفاكس..
– إذن أكملتم به لائحة المرشحين من حيث الشكل؟
– تقريبا، لأن مسيرته مع الشباب والهواة خاصة تبدو بعيدة عما يتلاءم مع تدريب فريق عسكري کالجيش الملكي، وكونه يفتقر إلى شهادات التدريب، حيث لم أتوقع أن يقع اختيار الحسن الثاني عليه بمقارنة بالمدربين الآخرين اللذين يبدوان أكثر ملاءمة لكن ما حدث هو العكس، حيث سيتصل بي السيد السملالي عبر الهاتف، وقال لي بالفرنسية: «كارثة Catastrophe »، ثم أضاف: « لقد وقع اختيار جلالة الملك على الاسم الثالث الذي أكملنا به اللائحة، فما عليك الآن إلا أن تتصرف وتعمل على إقناعه بالمجيء إلى المغرب في أقرب الآجال ».
– إذن كيف تصرفت؟
– فوجئت بهذا الاختيار في أول وهلة، لكن بعد شيء من التأمل، حاولت فهم دوافع هذا الاختيار المفاجئ من طرف جلالة الملك، فربما طريقتي في صياغة سيرته الذاتية أبرزت الجوانب التي يبحث عنها صاحب الجلالة، منها الانتصارات المتتالية، وفهمه عقلية الشباب الهواة، إلى جانب نجاحه في الوصول إلى المباراة النهائية لكأس العالم للشباب، ربما هذه العناصر غطت على افتقاره إلى شواهد التدريب. وأمام هذا الاختيار من طرف الملك وجدت نفسي مضطرا إلى محاولة إقناعه بأي وسيلة بالذهاب إلى المغرب، لأنه من غير المعقول اقتراح مدرب لا أتمكن من إحضاره إلى المغرب.
الحلقة الثامنة عشرة
جريدة اخبار اليوم: الثلاثاء 31 يوليوز 2018
الكتاني: جهودي لإقناع فاريا بالسفر إلى المغرب
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
– إذن كيف تصرفت لاقناع فاريا بالمجيء إلى المغرب بعد اختياره من طرف الملك؟
– كلفت كاتبتي بالبحث عنه مرة أخرى، حيث استطاعت بوسائلها الخاصة تحديد مكانه وإقناعه بزيارتي من جديد. هنا تذكرت أنه سيمضي العقد مع ذاك الفريق البرازيلي بعد شهر، فراودتني الفكرة الآتية: فقلت لة «إنني سأذهب إلى المغرب لمدة أسبوع لإنجاز بعض المهام، وأدعوك إلى مرافقتي وقضاء هذا الأسبوع معي في ضيافة المغرب، حتى تأخذ فكرة واضحة عن ظروف العمل هناك، قبل اتخاذ قرارك النهائي»، كانت فكرتي إذن هي أن أوصله إلى المغرب حتى لو لم يكن مستعدة للبقاء فيه أكثر من أسبوع.
– هل وافق السيد فاريا على السفر في آخر المطاف؟
– وافق على ذلك، لكن بعد مشقة وجهد كبيرين من طرف الكاتبة التي تحدثت له كثيرا عن المغرب وعن الأجواء الكروية بهذا البلد، وإنجازات الفريق الوطني الأخيرة، خاصة في الألعاب المتوسطية.
– هل كانت كاتبة مغربية أم برازيلية؟ –
– كانت كاتبة برازيلية، فالناس هناك كلهم يتنفسون كرة القدم، وكان عمرها حوالى 65 سنة، ولها اطلاع واسع على أحداث البلد، خاصة الرياضية منها. وأعتقد أنها أسهمت بشكل كبير في جعل السيد فاريا يقبل بهذا العرض، ولو من باب المجاملة، رغم أنه بقي متشبثا بفكرة البقاء في البرازيل، خاصة أنه كان عائدا لتوه من قطر. وقد كنت أتساءل: كيف سأتمكن من السفر مع فاريا إلى المغرب ؟
– وهل كانت هناك مشكلة في ذلك؟
– طبعا، لأنني كنت أعلم مسبقا أن السيد السفير المغربي في برازيليا لن يوافق على سفري، كما ستواجهني معارضة وزارة الخارجية، بحجة أن هذه المهمة الرياضية لا تدخل في اختصاصاتها، فهي لا تعترف أصلا بمهمتي هذه، وبالتالي، لن تمكنني من تذكرة السفر. لذلك، وجدت نفسي مضطرا، مرة أخرى، إلى شراء تذكرة من مالي الخاص، والاكتفاء بإشعار وزارة الخارجية بأنني مضطر إلى السفر مع المدرب الجديد إلى المغرب، ومرة أخرى سأجد نفسي مضطرا إلى العمل خارج المساطر الإدارية لإنجاح مهمتي، وكنت أتوقع أن يتم هذا على حسابي ومصلحتي.
– الأمر نفسه حصل لك أثناء سفرك الأول مع فالانتي؟
– فعلا، حتى السفر الأول مع فالانتي غطيت مصاريفه من مالي الخاص، ولم أتلق تعويضاء عنهما إلى يومنا هذا، للأسباب التي سبق ذكرها، أي أن وزارة الخارجية ترفض تعویض قيمة التذكرتين (ما يناهز أربعة آلاف دولار)، لأن هذه المهمة الرياضية لا تدخل في إطار اختصاصاتها، ووزارة الشبيبة والرياضة ترفض ذلك لأنني لست موظفا لديها.
– هل كان الوزير السملالي على علم بأن فاريا لا يريد المجيء إلى المغرب؟
– طبعا، وكان يشاطرني الرأي في ضرورة العمل على إيصاله إلى المغرب بأي طريقة وحينها إذا لم يتمكن من إقناعه بالبقاء في المغرب، فإنه سيخبر صاحب الجلالة بذلك ويطلب منه اختیار مدرب آخر من اللائحة.
– إذن، ماذا حدث؟
– اقتنع فاريا بالسفر معي لمدة أسبوع، لكن بعد جهد كبير، خاصة من طرف الكاتبة التي تحدثت إليه طويلا عن المغرب وعن كرة القدم المغربية. وصبيحة يوم السفر، وكان يوم سبت، توجهت إلى المطار بعدما أبلغت الجامعة الملكية لكرة القدم في المغرب بساعة وصولنا إلى الدار البيضاء. انتظرته طويلا في المطار، لكنه لم يحضر. فاضطررت إلى تأخیر تاریخ رحلتي إلى الأسبوع الموالي على أمل أن أتدارك هذا
التأخیر.
– ولماذا تخلف عن موعد الرحلة؟
– هولم يتخلف عن موعد الرحلة فحسب، بل لم يلزم نفسه بعناء إخباري بعدم قدومه، فعدت إلى المكتب يوم الاثنين، وطلبت من الكاتبة أن تستفسره عما حدث، فأخبرها بأن زوجة ابنه وضعت مولودا في ذلك اليوم، وأنه كان مضطرا إلى البقاء بالمصحة. أقنعته بالمجيء مجددا إلى المكتب، فاستقبلته بابتسامة كاظما غيظي من تصرفه. فكرت في القيام بإشارة إيجابية تجاهه، فجعلت الكاتبة تسأله عن اسم المصحة، وطلبت منها أن ترسل باقة ورود إلى زوجة ابنه في المصحة، وتضع عليها بطاقتي وفعلا عندما عاد إلى المصحة وجد باقة الورد، وقد تأثر بذلك. اتفقنا على السفر مجددا في يوم السبت الموالي، لكنه لم يأت من جديد إلى المطار دون أن يعتذر عن عدم مجيئه مرة أخرى، ما اضطرني إلى إرجاء السفر للمرة الثانية. اتصلت به الكاتبة، ونقلت له غضبي هذه المرة من تصرفه اللامسؤول، فرد بأنه كان علي موعد مع طبيبه المتخصص في مرض القلب يوما قبل موعد السفر، وأن هذا الأخير منعه من ركوب الطائرة في رحلة طويلة قد تؤثر سلبا على صحته.
الحلقة العشرين
جريدة اخبار اليوم: الخميس 02 غشت 2018
الكتاني: ظروف صعبة عاشها المغرب في بداية الثمانينات أثرت على مهمتي
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
– عندما علمت أن طبيب فاريا هو الذي منعه من السفر، كيف استطعت التغلب على هذه العقبة، فطبيبه يمنعه من ركوب الطائرة لمسافة طويلة؟
– شعرت بأنني في ورطة من الصعب الخروج منها، لأن السيد فاريا جاء هذه المرة إلى مكتبي بمحض إرادته، وأتى حاملا ملفه الطبي وسلمني إياه حتى يثبت صدق كلامه. صحيح أن عذره قوي هذه المرة، وربما هو السبب الحقيقي في تفضيلة البقاء في البرازيل، وليس ارتباطه بفريق برازيلي، لكنني لم استسلم لهذا الواقع رغم صعوبته، وهذا طبعي منذ صغر سني، حيث كنت ومازلت لا أستسلم أمام الحواجز، فقررت القيام بمحاولة أخيرة شبه ميؤوس منها. سألت الكاتبة باللغة الفرنسية، حتى لا ينتبه فاريا، عن الطبيب الذي يعالجه فنظرت إلى غلاف الملف الطبي واهتدت إلى اسمه وعنوانه، فقالت لي إنه طبيب معروف في ريو، فطلبت منها أن تتصل به وتخبره بأن السيد فاريا تلقى دعوة من صاحب الجلالة ملك المغرب، وأن تعمل على إقناعه بالسماح له بالسفر ولو بطريقة استثنائية، احتراما لتلك الدعوة الملكية.
– وهل استطاعت إقناع الطبيب بالسماح لفاريا بالسفر إلى المغرب؟
– لم أعرف كيف استطاعت إقناعه بذلك، المهم أن المحاولة، رغم ضآلة نسبة نجاحها، أثمرت إيجابيا، ووافق الطبيب في آخر المطاف على طلبنا أما السيد فاريا، الذي بقي جالسا في مكتبي، فلم ينتبه إلى أن الكاتبة كانت تتحدث مع طبيبه. إلى أن نادته وأعطته سماعة الهاتف، ليخبره طبيبه بموافقته على القيام بتلك الرحلة، بعد إعطائه النصائح اللازمة في مثل تلك الحالات. ورغم موافقة الطبيب، لم نتمكن من السفر إلى المغرب إلا بعد عدة أسابيع.
– لماذا ؟
– لأنه في تلك الفترة التي كنت أبذل فيها كل جهدي لإيصال السيد فاريا إلى المغرب، حدثت تطورات خطيرة لم تكن في الحسبان. فكما قلت لك سابقا، كنت أعلم أن السيد السفير لن يسمح لي بالسفر، وقد كاتبت وزارة الخارجية الأخبرها بأنني مضطر إلى مصاحبة السيد فاريا، المرشح لتدريب فريق الجيش الملكي بطلب من الملك.
انتظرت عدة أيام دون التوصل بجواب كما توقعت. وأنا أتوفر اليوم على وثيقة سبق أن كتب عليها السيد الكاتب العام لتلك الوزارة بخط يده هذه الجملة: منذ متى كانت كرة القدم والرياضة تدخلان في اختصاصات المستشارين الاقتصاديين؟».
إذن، هو يحملني مسؤولية قرار ملكي لا ذنب لي فيه، وكأنه يقول لي: « ما كان عليك أن تنجز مهمة ليست من اختصاصك ولو كلفت بها مباشرة من الدن الملك ». أما السيد السفير -غفر الله اله- فقد قال لي الفكرة نفسها بكل وضوح في أول لقاء لنا في برازيليا، كما أشرت إلى ذلك سابقا.
– كيف يمكن أن نفسر هذا الموقف الغريب الذي يتعارض مع تعليمات الحسن الثاني في هذا الموضوع؟
– لن أفصح لك عن كل ما قاله لي السيد السفير حتى يثنيني عن إنجاز ما طلبه منى الملك. أظن أن تلك السنة، أي سنة 1983، كانت من أخطر السنوات في عهد الحسن الثاني. كان الجو فيها مكهربا وخطيرا للغاية على الصعيدين السياسي والاقتصادي. ففيها اضطر المغرب إلى قبول كل الشروط التي أملاها علیه صندوق النقد الدولى بعدما انهارت مدخراتنا من العملة الصعبة، وأصبحت لا تغطى إلا بضعة أيام من وارداتنا، وأصبح المغرب على لائحة الدول المنبوذة من طرف الأبناك العالمية والمؤسسات المالية الدولية. أما من الناحية السياسية، فهي السنة التي كادت تسجل انقلابا عسكريا للإطاحة بنظام الحسن الثاني من طرف الجنرال الدليمي، والذي سيلقي مصرعه في «حادثة سير» بمراكش. وهنا أتساءل: «هل بدأ بعض کبار المسؤولين في تلك الفترة يعلنون تمردهم على نظام الحسن الثاني قبل الأوان؟». هذا تساؤل مشروع عشت أحداثه ووثقت معلومات إضافية توصلت بها من جهات مختلفة تزكي هذه الفرضية.
من سوء حظي أنني وجدت نفسي مكلفا بعمل لا دخل لي فيه في تلك السنة المشؤومة وفي تلك الأجواء المكهربة، الشيء الذي أثر سلبا على مساري الإداري، لكنه لم يثنني عن إنجاز تلك المهمة الرياضية بنجاح.
الحلقة الحادية والعشرين
جريدة اخبار اليوم: الإثنين 07غشت 2018
الكتاني: وصلت رفقة فاريا إلى المغرب فأغلق مكتبي في ريو دي جانيرو.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
– ماذا حدث بعدما نجحت في إقناع فاريا بالمجيء معك إلى المغرب؟
– وأنا أطالع أخيرا عددا من المراسلات التي تبادلتها في تلك الفترة مع وزارتي الخارجية والشبيبة والرياضة ومع السفارة في برازيليا، تبين لي أن قدوم السيد فاريا إلى المغرب كان شبه معجزة بحد ذاتها، لأن العراقيل التي اعترضت مجيئه إلى المغرب غريبة ومتنوعة وخطيرة.
فالمشكل الأول كان هو ضرورة مرافقتي السيد فاريا إلى المغرب رغم عدم موافقة السيد السفير والسيد الكاتب العام لوزارة  الخارجية على تلك المهمة. ورغم ذلك تجرأت وقمت بتلك الرحلة بعدما اشتريت تذكرة السفر من مالي الخاص، وأنا أعلم أن بإمكانهم الانتقام مني إداريا. ولو و لم أفعل ذلك، هل كان السيد فاريا سيصل إلى المغرب بتلك الحيلة التي أبدعتها؟ أي قضاء أسبوع في المغرب، قد لا تثمر بقاءه.
المشكل الثاني هو تسلسل المعيقات من طرف السيد فاريا التي جعلتنا نؤخر السفر عدة أسابيع، ونلغي رحلتنا عدة مرات، كما سبق أن حكيت لك.
أما المشكل الثالث، وهو الخطير، فهو قرار وزارة الخارجية إغلاق مكتبي بريو دي جانيرو، أمام إصراري على متابعة إنجاز تلك المهمة خارج المساطر الإدارية.
– هل يمكن أن توضح أكثر ملابسات إغلاق مكتبك في ريو؟
– بعدما طلبت بإلحاح من وزارة الخارجية أن ترخص لي بالسفر إلى المغرب لمرافقة السيد فاريا ولم أتوصل بجواب، قررت أن أتحمل مسؤوليتي خارج المساطر الإدارية، فبعثت عبر الفاكس رسالة إلى السيد الكاتب العام أقول فيها إنني، في آخر الأمر، مستعد لتحمل نفقات السفر على حسابي الخاص، إذا اقتضى الأمر ذلك، لأتمكن من إنجاز تلك المهمة التي كلفت بها على أعلى مستوى.
طبعا كنت واعيا بأن في رسالتي خروجا عن المسطرة الإدارية وكنت أجده مقبولا حسب مقولة «لأي قرار استثنائي ظروف إنجاز استثنائية»، لكن، من ناحية أخرى، كنت أعمل على رفع تحد حقیقي، وهو قدرتي على إنجاح تلك المهمة حتى لو لم تكن تدخل في إطار اختصاصاتي. وهو ما توفقت في تحقيقه بعون الله ثم بإصراري.
– ماذا كان رد فعلهم؟
– لقد حدث شيء لا يصدق. فقد اعتبروا تصرفي هذا خروجا عن نفوذهم ومستفزا لسلطتهم لا يمكن قبوله، فقرروا، بصفة غير قانونية، إغلاق مكتبي بطريقة هوليودية، حيث وصل إلى ريو دي جانيرو المراقب المالي في السفارة مبعوثا من طرف السفير الإغلاق مكتبي دون إشعاري بقدومه ودون تقديم أي قرار إداري قانوني يضع حدا لمهمتي، لكن، يبدو أن احترام القانون لم يكن يدخل ضمن اهتماماتهم.
– ماذا فعلت؟
– کاتبت وزير الخارجية الجديد، السيد بلقزيز، الذي خلف السيد بوستة، وأخبرته بالحادث متسائلا: هل قررت الوزارة وضع حد للمهمة التي كلفني بها الملك بخصوص إيجاد مدرب الفريق الجيش الملكي؟ بعدما ذكرته برفض السفير قیامی بتلك المهمة الرياضية، رغم أن الملك هو من كلفني بها، ومعارضته أي مبادرة أقوم بها في إطار تلك المهمة، وقلت له في الأخير إنني سأستمر في إنجاز مهمتي، إلا إذا كان له رأي مخالف».
– ماذا كان رده؟
– مثلما توقعت، لم يرد على مراسلتي، لكن، مجرد أن أنجزت تلك المهمة وقدمت إلى المغرب صحبة السيد فاريا وتمت العملية كما سأحدثك عن تفاصيلها، أغلق مكتبي نهائيا.
وظللت أنتظر في المغرب أربعة أشهر، دون أن أتمكن من العودة حتى لأخذ أغراضي الخاصة وأودع رجال الأعمال الذين كنت على وشك إتمام اتفاقات معهم بخصوص المشاريع الكبرى التي سبق أن حدثتك عنها.
الحلقة الثانية والعشرين
جريدة اخبار اليوم: الثلاثاء 08 غشت 2018
الكتاني: فاريا ابلغ الوزير السملالي بانه لا يرغب في البقاء في المغرب.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
– كيف تفسر إقدام وزارة الخارجية على إغلاق مكتبك بريو دي جانيرو دون أن بتدخل الملك ويرد لك الاعتبار؟
– ربما لعدم علمه بما حدث، فحسب ما أخبرني به أحد الأصدقاء كان وزيرا في تلك المرحلة، أنه سمع الحسن الثاني يثني على عملي في البرازيل، بحضور عدد من المسؤولين في الوقت الذي عدت فيه إلى المغرب وأغلق مكتبي نهائيا، ولم يجرؤ أحد من الحاضرين على إخباره بواقع الأمر.
– لماذا؟
– يبدو أن الأمور كانت تسير هكذا في البلاط الملكي، قد يكون الحاضرون على علم بما يجري، لكن لا أحد منهم ينطق إلا إذا طلب منه ذلك. وعلى كل حال، نحن في بلد المتناقضات، وهذه إحداها. هل طبيعي أن أكلف بمهمة على أعلى مستوى وأنجزها بنجاح، رغم أنها لا تدخل ضمن اختصاصاتي، ثم يغلق مكتبي ويوضع حد لمهمتي؟ وهل طبيعي كذلك أن يكلف الملك وزيره في المالية بمنحي مكافأة مالية في حال نجاحي في مهمتي، فأضطر إلى شراء تذكرتين للطائرة من مالي الخاص ولا ترد إلي أموالي؟ وهل من الطبيعي كذلك أن أعمل على إعادة فتح السوق البرازيلية الضخمة للمواد الفوسفاطية في مدة قياسية، ويستقبلني الوزير الأول السيد كريم العمراني لينقل لي تهاني الملك على ذلك الإنجاز، في الوقت الذي أقدمت فيه وزارة الخارجية على إغلاق مكتبي بطريقة تعسفية خارج القانون المنظم للمستشارين الاقتصاديين؟ ألسنا في بلد المتناقضات؟
– هل ندمت على قبولك بإجاز تلك المهمة بعدما سببته لك من مشاكل؟
– لا، بالعكس أني فخور بما أنجزته في ميدان ليس ضمن تخصصی. لقد كان بإمكاني القبول بتوجيهات السفير الهادفة إلى التخلي عن إنجاز تلك المهمة، والبقاء بريو دي جانيرو لأداء وظيفتي لكن، لو اخترت هذا التوجه لما كنت اليوم أقص عليك نجاحي في هذا الميدان وأذكرك بما ترتب عليه من نتائج باهرة لفريقنا الوطني.
– لنعد إلى قصة المدرب فاريا، متى وصلتما إلى المغرب؟ وماذا حدث بعد ذلك؟
– لا أتذكر بالضبط يوم الوصول، لكنني أعلم أننا وصلنا أسبوعا واحدا قبل إجراء مباراة ودية بين الفريق الوطني وفريق باري سان جرمان، والتي أجريت بتاريخ 29 يناير سنة 1984.
– إذن، تأخر قدومكما عدة أسابيع؟
– أظن أن التأخير دام على الأقل سبعة أسابيع نتيجة كل المشاكل والتعقيدات التي أشرت إليها سابقا، إذ كان علينا أن نسافر يوم 2 دجنبر 1983، فتأخرنا إلى 10 دجنبر، ثم تأخر الموعد عدة مرات نتيجة محاولة أقفال مكتبي، إلى غاية يناير من السنة الموالية.
– عندما وصلتم إلى المغرب كان جايمي فالانتي قد عاد إلى البرازيل؟
– فعلا، قبل سفرنا كان جايمي فالانتي قد عاد من المغرب بعدة أيام. وأثناء الحديث الذي راج بیننا، والذي أوردته في حلقة س ابقة، أخبرته بأن الملك كلفني بالبحث عن مدرب برازيلي لفريق الجيش الملكي، وأن هذا يعد دليلا قاطعا على أنه كان ناجحا في مهمته في تدريب المنتخب الوطني. وقد طلبت رأيه في المرشحين الثلاثة، خاصة السيد فاريا فإذا به يؤكد لي ما علمته عن السيد فاريا، كونه كان مساعدا لهذا الأخير عندما كانا يقودان الفريق الوطني القطري للشباب. طلبت رأيه فيه، فكان جوابه مرتكزا على الجانب الإنساني في تصرفاته، حيث أثنى عليه بشكل غير عادي. أكد لي أنه الیس مثقفا ولا يتحدث اللغات، وليست لديه دبلومات، لكنه مدرب مقتدر في فهم عقلية لاعبيه ويتقن التواصل معهم، حيث يتأقلم بسرعة مع خاصياتهم ويتجاوب مع قدراتهم الذهنية قبل البدنية، خاصة صنف الشباب والهواة. وقد علمت أخيرا، وأنا أتحدث مع أحد أفراد الفريق الوطني الذي لعب تحت إمرة فاريا، أنه كان يدافع عن كل واحد من لاعبيه بشراسة أمام المسؤولين، ويزورهم في بيوتهم عند الضرورة إن مرض أحدهم أو أصيب خلال اللعب، ويساعد بعضهم حتى ماديا إن اقتضى الحال ذلك، حيث كان يحتضنهم بعناية كأنهم أبناؤه. وكذلك كان حتى مع أفراد فريق الجيش الملكي، حسب ما علمته.
– ماذا حدث عند وصولكم إلى المغرب؟
– وصلنا إلى الدار البيضاء، ونقلته إلى فندق شالة بالرباط المجاور لمسجد السنة. عادة كانت الوفود الرياضية تنزل في هذا الفندق لقربه من مقر وزارة الشبيبة والرياضة، ولحسن الحظ، وجدت في الفندق السيد «جوردان فييرا» الطبيب المعد البدنی الذي كان مساعدا للسيد فالانتي طيلة سنة 1983، والذي بقي في المغرب رغم «هروب» السيد فالانتي دون سابق إنذار.
– هل كان على علم بظروف مغادرة فالانتي؟
– لا علم لي بذلك. المهم هو أن بقاءه في المغرب ووجوده في الفندق الذي نزل فية السيد فاريا، سيساعدني على إنجاح الفكرة التي سأقصها عليكم لاحقا، والتي ستكون سببا في بقاء السيد فاريا في المغرب إلى أن توفاه الله سنة 2013.
– كيف ذلك؟
– تركت السيد فاريا مع فييرا بالفندق، وغادرت على أن نذهب جميعا للقاء الوزير السملالي يوم الاثنين. والتقينا الوزير في الوقت المحدد، وجرى الحديث كما توقعت حيث أعرب السيد فاريا عن رغبته في عدم البقاء في المغرب لأسباب لم يوضحها حسب ما نقله لنا السيد فييرا الذي كان يقوم بالترجمة. فلم يقم السيد السملالي بأي جهد لإقناعه بالبقاء، وجرى اللقاء في مدة وجيزة، وعدنا إلى الفندق على الأقدام واتفقنا على تاريخ العودة إلى البرازيل أي يوم السبت الموالي. بالنسبة إلي فقد ارتحت، لأنني أنجزت مهمتي في إيصاله إلى المغرب. فأنا لست مسؤولا عن عدم بقائه إذا لم يرد البقاء.
الحلقة الثالثة والعشرين
جريدة اخبار اليوم: الأربعاء 09 غشت 2018
الكتاني: مباراة حبية بين المنتخب وباري سان جرمان أقنعت فاريا بالبقاء في المغرب.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
– كيف انتهى الأمر بفاريا مدربا للمنتخب الوطني؟
– لقد وقعت مفاجأة، كنت قد خرجت التجول مع فاریا وفييرا، لزيارة بعض معالم الرباط. وعندما عدت لزيارته بالفندق بعد يومين أخبرني السيد فييرا، المعد البدني للمنتخب، بأن الوزير بعث في طلبهما، واقترح على السيد فاريا أن يبقى أسبوعا آخر بالمغرب حتى يحضر مقابلة حبية ستجرى يوم الأحد الموالي في ملعب مولاي عبد الله في الرباط، بين الفريق الوطني والفريق الفرنسي باري سان جيرمان، قال لي فييرا إن السملالي أخبرهما بأن جلالة الملك سیحضر المقابلة التي لم تكن مبرمجة، وإنه قد يسأل عن السيد فاريا، وأضاف الوزير أنه يريد فقط أن يحضر السيد فاريا هذه المقابلة، ويغادر بعد أسبوع أخر سيقضيه في ضيافة المغرب.
– وهل وافق فاريا؟
– رفض رفضا قاطعا. قال السيد فاریا إن فريق باري سان جيرمان يفوز لا محالة وستحسب عليه خسارة هو ليس مسؤولا عنها لأنه لم يسبق له حتى التعرف على أفراد الفريق الوطني، قلت للسيد فييرا «ما الذي جعل فاريا يتنبأ بخسارة الفريق الوطنی» فرد قائلا: «لا أعلم، ربما شهرة الفريق الفرنسی»، المهم أنه رفض وأقنع الوزير بذلك. قلت للسيد فييرا: «إذا كان همه الأساسي هو ألا يذكر اسمه في الجرائد، فأنا أضمن له ذلك. بل إنني لن أخبر الوزارة ولا الجامعة بحضورنا المباراة. فأنا سآتي بسيارة أحد أقاربي وآخذكما إلى الملعب ونشاهد المباراة بين المتفرجين، بعدها أعود بكما إلى الفندق، على أن نسافر إلى ريو في آخر الأسبوع المقبل. وسنكون قد أخذنا فكرة عن مستوى الفريق الوطني لأنه لم يسبق لي شخصيا أن حضرت أيا من مبارياته».
لم أعرف كيف استطاع السید فییرا إقناع السيد فاريا بقبول هذه الفكرة. لقد طال الحديث بينهما بالبرتغالية وفي الأخير قبل باقتراحي بعدما أكدت له أن لا أحد سيعلم بحضورنا المباراة، وكذلك كان.
– ما قصة هذه المقابلة الحبية؟
– ما فهمته آنذاك هو أن تنظيم تلك المباراة كان ذا طابع سیاسی محض. ففي سنة 1983، كان هناك خلاف بين فرانسوا ميتران، رئيس الجمهورية الفرنسية، والحسن الثاني، لأن هذا الأخير دعم منافسة السيد جيسكار ديستان في الانتخابات التي خسرها هذا الأخير في ماي 1981، ما أغضب میتران، فساءت العلاقة بينه وبين القصر، إلى أن زار السيد ميتران المغرب في متم تلك السنة. شيراك حينها كان عمدة باريس، وأراد الحسن الثاني أن يلتقيه بطريقة غير رسمية، فكانت فكرة هذه المقابلة التي برمجت بضعة أيام فقط قبل إجرائها على أساس أنها مباراة حبية بمناسبة تدشين المركب الرياضي مولاي عبد الله. هذه قراءتي الشخصية لأسباب هذه المباراة التي لم تكن في علم حتى الوزير السملالي يوم التقيناه، أي يوم الإثنين، لذلك، فإن كرة القدم، نظرا إلى شعبيتها، كانت ولاتزال وسيلة في يد السياسيين لبلوغ العديد من أهدافهم.
– لنعد إلى فاريا، كيف جرت عملية دخول المركب الرياضي؟
– جرت العملية كما اقترحت عليهما، إذ أتيت بسيارة صغيرة استعرتها من أخت زوجتي، وتوجهنا إلى المركب، لكن المشكل الغريب الذي واجهنا هو أننا منعنا من الدخول من الباب الخلفي، لأننا لا نتوفر على دعوة من الجامعة الملكية، لكن، ونحن خارج المدخل المغلق أمامنا، إذ بأحد المسؤولين الذي فتح الباب أمامه يلاحظ سيارتنا ويتعرف على السيد فييرا، فطلب على الفور دخولنا معه.
جلسنا بين المدعوين، فلم ينتبه إلينا أي منهم، شاهدنا المباراة بإعجاب فاق ما كنا نتصوره. فاز المنتخب المغربي بهدفين لصفر، وشارك في المباراة، حسب ما أتذكره، بودربالة التيمومي، الزاكي، الحداوي، البياز، خليفة، وأخرون.
وعندما غادرنا الملعب وركبنا في السيارة، وبمجرد الابتعاد ببضعة أمتار عن الملعب، حصلت مفاجأة. قلت لفييرا: «ما رأي السيد فاريا في فريقنا الوطني؟»، فكان جواب فاريا البرتغالية: «إذا سمحوا لي بتدريب هذا الفريق سأبقى في المغرب.»
الحلقة الأخيرة
جريدة اخبار اليوم: الخميس 10 غشت 2018
الكتاني: وقع فاريا عقدا لتدريب المنتخب والجيش الملكي وحقق أفضل الإنجازات.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
– إذن، السيد فاريا هو من اقترح تدريب المنتخب الوطني؟
– نعم، في البداية لم أصدق ما سمعته وطلبت من السيد فييرا أن يتأكد من كلام السيد فاريا، تغيرت إذن كل المعطيات أتى لتدريب فريق الجيش ورفض البقاء، وها هو يشترط تدريب الفريق الوطني للبقاء، أوصلته إلى الفندق، وذهبت للقاء الوزير السملالي الاثنين الموالي لأخبره بما حدث، واقترحت أن يدرب السيد فاريا فريق الجيش الملكي وأن يشرف أيضا على فريقنا الوطني مادام السيد فالانتي قد غادر نهائية ليتبين أن هذا الحل ملائم حتى للسيد السملالي وللجامعة لأنه يوفر مدربا بديلا للفريق الوطني، وبالتالي، يغطي على «هروب» السيد فالانتي كما سبق ذكره. قلت إنه في هذه الحالة سيكون عقد السيد فاريا مع الفريق الوطني ومع فريق الجيش الملكي معا، فوافق السيد الوزير دون تردد، على أن يتعهد السيد فاريا بموجب عقد بالبقاء في المغرب أربع سنوات بهدف تأهيل فريقنا الوطني لنهائيات كأس العالم بمکسیکو سنة 1986، وهكذا وقع العقد وتركته وعدت إلى البرازيل، ومند أن تركته في المغرب لم أره مرة أخرى، إلى أن علمت بوفاته سنة 2013، رحمه الله .
– الجيل الحالي يتذكر ما أنجزه هنري ميشال مع المنتخب المغربي في كأس العالم سنة 1998. وحاليا مع رونار في نهائيات روسيا، لكن القليل من هذا الجيل من يعرف ما حققه المرحوم المهدي فاريا مع منتخبنا الوطنيه فهل يمكن أن تلخص أهم إجازات هذا المدرب البرازيلي المرموق؟
– ما حققه المرحوم فاريا مع فريقنا الوطني في نهائيات كأس العالم مكسيكو سنة 1986 غير مسبوق، حيث مر إلى الدور الثاني وترأس مجموعته المتكونة من إنجلترا وبولونيا والبرتغال، وفاز على فريق البرتغال 1-3 بعدما تعادل مع بولونيا وإنجلترا. ولم يخسر منتخبنا في الدور الثاني ضد ألمانيا الغربية إلا في الدقائق الأخيرة من المباراة، ومن ضربة ثابتة نتيجة خطأ في تموقع الجدار، والفريق الألماني هو من فاز بكأس العالم في تلك النهائيات.
لا أعتقد أن هناك فريقا عربيا أو إفريقيا أو آسيويا سيكون بإمكانه ترؤس مجموعته في نهائيات كأس العالم على المدى البعيد، كما أنجز ذلك فريقنا الوطني مع المرحوم فاريا منذ أكثر من ثلاثة عقود.
المهدي فاريا الذي استطاع أن يحقق هذا الإنجاز غير المسبوق كان يسير في الوقت نفسه فريق الجيش الملكي الذي فاز معه لأول مرة ببطولة إفريقيا للأندية سنة 1985، بعدما حقق معه البطولة الوطنية سنتی 1986 و1988 وكأس العرش ثلاث مرات متتالية، فهل هناك مدرب لكرة القدم استطاع أن يرقى إلى مستوى هذه النتائج في تاريخ كرة القدم المغربية؟
– ماذا يمكنك أن تقول في ختام هذا الحديث؟
– أقول إن على الجامعة الملكية أن تعتني بعائلة المرحوم فاريا. لقد علمت أخيرا أنه كان يعيش في السنين الأخيرة قبل وفاته سنة 2013 في ظروف مزرية من معاشه الذي كان يتوصل به من إحدى الشركات البرازيلية، فهل يعقل أن تكون عائلته المغربية اليوم في خصاص، وأن يكون ابنه عاطلا عن العمل؟ أهكذا يجازى الأوفياء لهذا البلد؟ لنتصور كل تلك العروض التي انهالت عليه من عدة دول بعد إنجازاته غير المسبوقة في نهائيات مكسيكو 1986، لكنه فضل البقاء في بلده الثاني المغرب الذي أصبح يحمل جنسيته.
صحيح أن المرحوم فريا لم يكن يهتم بالجانب المادي، كما أوضحت ذلك سابقا، وأن الحسن الثاني سبق أن سأل عن أحواله سنة قبل وفاته، وأعطى تعليماته -رحمه الله- للاعتناء به، لكن أين هي النتيجة؟ طبعا هناك الكثير من المعطيات والملاحظات التي لم أقدمها في هذا السرد للأحداث، إما لأنها لم ترد في سياق الحديث، وإما نتيجة نسيان بعض التفاصيل التي لم أستحضرها في أجوبتي عن أحداث وقعت منذ أزيد من ست وثلاثين سنة.
ومعذرة كذلك إذا كانت بعض المعطيات غير دقيقة أو وردت في غير سياقها، وأنا مستعد لتسجيل أي ملاحظة ممن عاشوا تلك الفترة أو من لديهم أسئلة إضافية، حيث أتعهد بالجواب عنها قدر المستطاع عبر بريدي الخاص.
drisskettani2004@yahoo.fr