هكذا كانت مشاركتي في مسيرة 20 فبراير

سألني أحد كبار رجال الأمن الذي كنت أبادله المحبة والاحترام، والذي تربطني به قرابة خاصة، « كيف لك وأنت سفير صاحب الجلالة سابقا تشارك في مسيرة 20 فبراير الثورية؟ فلو لم أكن أعرفك منذ أكثر من ثلاثين سنة لصنفتك ضمن كبار المعارضين للنظام، خاصة وأنك السفير الوحيد حسب معلوماتي الذي شارك في تلك المظاهرة ».
قصصت عليه كيف جرت مشاركتي في تلك المسيرة التاريخية الميمونة قائلا: « كنت في ذلك اليوم، وهو يوم عطلة جالسا مع أفراد عائلتي أتناول الشاي، وفجأة راودتني فكرة الالتحاق بقلب المدينة بالرباط لمعاينة ما يجري في تلك المظاهرات والتعرف عن كثب عما يطالب به المتظاهرون وكم عددهم، وما هي انتماءاتهم الفكرية والمجتمعية.. وهذا طبعی، فأنا أريد التأكد بنفسي قدر المستطاع مما يحدث ولا أكتفي بما أسمع.
رأيت شبابا في ربيع عمرهم وكهولا وسيدات من مختلف الأعمار والأوساط الاجتماعية وهم يصدحون برفضهم الظلم والفساد، من قبيل الانتهازية والمحسوبية والجشع السلطوي والجمع بين المال والسلطة، ويطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية ووضع حد لاقتصاد الريع، في إطار دولة الحق والقانون.
 » وبينما كنت أطالع المكتوب على اللافتات وأستمع إلى الهتافات، لم أجد أحدا يطالب بتغيير النظام، كما حدث بتونس ودول عربية أخري، وإنما ينددون بالفساد. وجدت نفسي فجأة داخل الجموع أردد ما يرددون وأتحمس لما ينشدون، متضامنا كل التضامن مع مطالبهم التي قضيت نيفا من عمري أعمل من أجل تحقيقها من داخل دواليب الدولة دون نتيجة تذكر.
وقلت في الأخير لمخاطبي: « وأنت رجل دولة إذا التقيت جمعا من المواطنين يطالبون بمحاربة الفساد وتحقيق العدالة، فهل ستبتعد عنهم أم نستلتحق بهم وتشد من أزرهم؟ « أليس محاربة الفساد رسميا على رأس أهداف الدولة؟
صمت صاحبي مطولا وكدت أسمع صمته وهو يصيح بكل قوة وكأن حال لسانه يقول « كفانا فسادا، كفانا الكيل بمكيالين، كفانا العمل بفكر وتقاليد المخزن بدلا من احترام القوانين وتطبيقها بطريقة متساوية بين المواطنين.
أعتقد أن حركة العشرين فبراير كانت حركة مباركة شكلت بلا شك محطة مضيئة في تاريخ بلدنا المعاصر. فهي التي أتت بالتعديل الدستوري المعتبر، رغم ما فيه من نواقص وما لحقه من تراجعات، ولما أجريت انتخابات في أعقابه لم تعبث الدولة بنتائجها كما كانت تفعل في عهد الحسن الثاني على مدى عقود. حيث يمكن القول إن تلك الانتخابات هي الأولى في تاريخ المغرب الحديث التي أفرزت اختيار الشعب لممثليه بعفوية ودون تدخل السلطة أو توجيه منها. حتى لو كان ذاك الاختيار لا يوافق توجهات العديد من النخب المثقفة والمسيرة للشأن العام، فتلك ضريبة حرية الاختيار .
جريدة أخبار اليوم: عدد 3340