الكتاني: خلفيات سياسية وراء حرص الحسن الثاني على جلب مدرب برازيلي
– لماذا كلفك الملك بهذا الموضوع بدلا من الجهات المختصة، غريب هذا الأمر؟
– هذا ما حير جميع الحاضرين وأنا أولهم، لأن هذا العمل يدخل في اختصاص الجامعة المغربية لكرة القدم تحت إشراف وزارة الشبيبة والرياضة في حين أنني كنت مرشحا للقيام بمهمة في المجال الاقتصادي لا علاقة لها بالرياضة.
– وهل علمت لاحقا ما كان وراء هذا التكليف العجيبة ؟
– سأقص عليك لاحقا ما علمته من المرحوم الكولونيل بلمجدوب حول سر هذا اللغز. لكن قبل ذلك أريد أن أشير إلى جزئية، زادت من اندهاش الحاضرين، هي أنه بعد تقديمي لجلالة الملك، أراد الوزير الطيب بن الشيخ الحديث عن المشاريع التي كلفت بها، قائلا: «اسمح لي يا جلالة الملك، لقد كلفنا السيد الكتاني بملفات اقتصادية كبرى نأمل أن تنجز في إطار التعاون مع دولة البرازيل». وعندما أراد الشروع في الحديث عنها قاطعه جلالة الملك قائلا: «اخلاااص»، وعاد لإتمام الحديث عن موضوع المدرب. هذه الجزئية لها دلالتها، فهي تكشف مدى اهتمام الحسن الثاني بموضوع الرياضة، وتشبثه بفكرته الهادفة إلى استقدام مدرب برازيلي للفريق الوطني.
– وما هي تلك المشاريعالتي كلفت بها؟
– كان هناك مشروع «سد المجاعرة» (سد الوحدة لاحقا)، وهو أكبر سد في المغرب، ومشروع خط السكة الحديدية بين مراكش والعيون الذي كان يدخل ضمن أولويات الحسن الثاني في تلك الفترة، ومشروع استخراج واستغلال النفط الصخري بالمغرب، وإعادة فتح السوق البرازيلي للفوسفاط والحامض الفوسفوري المغربي… والغريب في الأمر أن إحدى كبريات الشركات التي اهتمت بإنجاز مشروع سد المجاعرة وخط السكة الحديدية مراكش- العيون، واسمها هیدروسیرفیس hydroservice من ساوبولو، والتي كانت مصنفة الرابعة عالميا في ميدان الأشغال الكبرى، هي التي ستقدم لي أهم مرشح لتسيير الفريق الوطني، كما سأقص عليك ذلك لاحقا، والذي سأجعله على رأس لائحة المرشحين، لأنه اختير في تلك السنة أحسن مدرب في البرازيل. وأنا حينها ما كنت أتوقع أن عملي في المجال الاقتصادي سيساعدني في إنجاز تلك المهمة الرياضية. فهل كان الحسن الثاني، الذي كان يربط بين السياسة والرياضة، قد فطتن أيضا إلى علاقة الاقتصاد بالرياضة، أم هي مجرد صدفة غريبة؟
– إذن، أنت ترى أن هناك علاقة بين السياسة والرياضة؟
– طبعا، فقرار الحسن الثاني، حسب ما سأفهمه لاحقا، والهادف إلى إسناد مهمة تدريب الفريق الوطني إلى مدرب برازيلي من مستوي عال، لم يكن نابعا فقط من إعجابه بالفريق البرازيلي في نهائيات إسبانيا، بل أعتقد أن له خلفياته ودوافعه السياسية.
– كيف ذلك ؟
– لم أفهم تلك الدوافع غير المعلنة إلا بعد مرور أربع سنوات، عندما تحدث العالم الكروي بإعجاب كبير عن إنجاز فريقنا الوطني في مكسيكو 1986، والذي فاق كل التوقعات، بقيادة مدرب برازيلي، حيث أدركت أن تدخل الحسن الثاني المباشر في اختيار المدرب الوطني منذ سنة 1982 كانت دوافعه سياسية بالأساس.
– هل يمكن أن تشرح أكثرهذه الدوافع السياسية ؟
– النتذكر التوتر والندية اللذين كانا يطبعان العلاقات المغربية الجزائرية في تلك المرحلة. ولنتذكر كذلك ما حدث في نهائيات إسبانيا سنة 1982. ففريقنا لم يكن مشاركا في تلك التصفيات، في حين كانت الجزائر تتوفر على فريق وطني عالي المستوى، والذي خلق الحدث البارز في تلك التصفيات، حيث تغلب على ألمانيا الغربية رغم أنها س تصل إلى مباراة النهاية وكاد يمر إلى الدور الثاني لولا ما تحدثت عنه معظم وسائل الإعلام العالمية آنذاك من «تواطؤ؟» بين ألمانيا والنمسا في مباراتهما الأخيرة. أتذكر أن هذا الحدث خلق تعاطفا عالميا مع الجزائر، إلى درجة جعلت فدرالية فيفا تغير قانونها، وتفرض إجراء المقابلات الأخيرة في تصفيات المجموعات في التوقيت نفسه. حدث هذا، إذن، في الوقت الذي كانت الأجواء السياسية مع الجزائر مازالت مكهربة، وكان جرح مباراة المغرب والجزائر التي خسرناها بخمسة أهداف لواحد بالدار البيضاء في أواخر سنة 1979 مازال عالقا في الأذهان، خاصة أن الحسن الثاني واكب تحضير تلك المباراة بطريقة مباشرة، كما سيتضح لاحقا. إذن، أجد من الطبيعي أن يضع الحسن الثاني نصب عينيه، وهو المعروف لدى المقربين منه بقدرته الفائقة على البرمجة الاستباقية للأحداث، ضرورة التأهل إلى مونديال 1986 منذ تلك المرحلة، وأن يلعب المغرب في التظاهرة أدوارا متميزة تعيد إلى فريقنا الوطني بريقه وهيبته، وتغطي على ما سبق من ترد وخيبة أمل، وهذا ما حدث بالفعل في نهائيات مكسيكو 1986، عندما أشادت معظم وسائل الإعلام العالمية بنتائج فريقنا الوطني الذي تزعم مجموعته رغم صعوبتها، والمتكونة من بريطانيا وبولونيا والبرتغال، والذي اختير حارسه الرائع بادو الزاكي ضمن التشكيلة المثالية لتلك البطولة العالمية. ورغم مشاركة الفريق الوطني الجزائري في تلك النهائيات، فقد كان فريقنا الوطني هو من صنع الحدث البارز..
جريدة أخبار اليوم: الخميس 05 يوليوز 2018