قصتي مع المدرب فاريا – الحلقة 20

الكتاني: ظروف صعبة عاشها المغرب في بداية الثمانينات أثرت على مهمتي

يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.

– عندما علمت أن طبيب فاريا هو الذي منعه من السفر، كيف استطعت التغلب على هذه العقبة، فطبيبه يمنعه من ركوب الطائرة لمسافة طويلة؟

– شعرت بأنني في ورطة من الصعب الخروج منها، لأن السيد فاريا جاء هذه المرة إلى مكتبي بمحض إرادته، وأتى حاملا ملفه الطبي وسلمني إياه حتى يثبت صدق كلامه. صحيح أن عذره قوي هذه المرة، وربما هو السبب الحقيقي في تفضيلة البقاء في البرازيل، وليس ارتباطه بفريق برازيلي، لكنني لم استسلم لهذا الواقع رغم صعوبته، وهذا طبعي منذ صغر سني، حيث كنت ومازلت لا أستسلم أمام الحواجز، فقررت القيام بمحاولة أخيرة شبه ميؤوس منها. سألت الكاتبة باللغة الفرنسية، حتى لا ينتبه فاريا، عن الطبيب الذي يعالجه فنظرت إلى غلاف الملف الطبي واهتدت إلى اسمه وعنوانه، فقالت لي إنه طبيب معروف في ريو، فطلبت منها أن تتصل به وتخبره بأن السيد فاريا تلقى دعوة من صاحب الجلالة ملك المغرب، وأن تعمل على إقناعه بالسماح له بالسفر ولو بطريقة استثنائية، احتراما لتلك الدعوة الملكية.

– وهل استطاعت إقناع الطبيب بالسماح لفاريا بالسفر إلى المغرب؟

– لم أعرف كيف استطاعت إقناعه بذلك، المهم أن المحاولة، رغم ضآلة نسبة نجاحها، أثمرت إيجابيا، ووافق الطبيب في آخر المطاف على طلبنا أما السيد فاريا، الذي بقي جالسا في مكتبي، فلم ينتبه إلى أن الكاتبة كانت تتحدث مع طبيبه. إلى أن نادته وأعطته سماعة الهاتف، ليخبره طبيبه بموافقته على القيام بتلك الرحلة، بعد إعطائه النصائح اللازمة في مثل تلك الحالات. ورغم موافقة الطبيب، لم نتمكن من السفر إلى المغرب إلا بعد عدة أسابيع.

– لماذا ؟

– لأنه في تلك الفترة التي كنت أبذل فيها كل جهدي لإيصال السيد فاريا إلى المغرب، حدثت تطورات خطيرة لم تكن في الحسبان. فكما قلت لك سابقا، كنت أعلم أن السيد السفير لن يسمح لي بالسفر، وقد كاتبت وزارة الخارجية الأخبرها بأنني مضطر إلى مصاحبة السيد فاريا، المرشح لتدريب فريق الجيش الملكي بطلب من الملك.

انتظرت عدة أيام دون التوصل بجواب كما توقعت. وأنا أتوفر اليوم على وثيقة سبق أن كتب عليها السيد الكاتب العام لتلك الوزارة بخط يده هذه الجملة: منذ متى كانت كرة القدم والرياضة تدخلان في اختصاصات المستشارين الاقتصاديين؟».

إذن، هو يحملني مسؤولية قرار ملكي لا ذنب لي فيه، وكأنه يقول لي: « ما كان عليك أن تنجز مهمة ليست من اختصاصك ولو كلفت بها مباشرة من الدن الملك ». أما السيد السفير -غفر الله اله- فقد قال لي الفكرة نفسها بكل وضوح في أول لقاء لنا في برازيليا، كما أشرت إلى ذلك سابقا.

– كيف يمكن أن نفسر هذا الموقف الغريب الذي يتعارض مع تعليمات الحسن الثاني في هذا الموضوع؟

– لن أفصح لك عن كل ما قاله لي السيد السفير حتى يثنيني عن إنجاز ما طلبه منى الملك. أظن أن تلك السنة، أي سنة 1983، كانت من أخطر السنوات في عهد الحسن الثاني. كان الجو فيها مكهربا وخطيرا للغاية على الصعيدين السياسي والاقتصادي. ففيها اضطر المغرب إلى قبول كل الشروط التي أملاها علیه صندوق النقد الدولى بعدما انهارت مدخراتنا من العملة الصعبة، وأصبحت لا تغطى إلا بضعة أيام من وارداتنا، وأصبح المغرب على لائحة الدول المنبوذة من طرف الأبناك العالمية والمؤسسات المالية الدولية. أما من الناحية السياسية، فهي السنة التي كادت تسجل انقلابا عسكريا للإطاحة بنظام الحسن الثاني من طرف الجنرال الدليمي، والذي سيلقي مصرعه في «حادثة سير» بمراكش. وهنا أتساءل: «هل بدأ بعض کبار المسؤولين في تلك الفترة يعلنون تمردهم على نظام الحسن الثاني قبل الأوان؟». هذا تساؤل مشروع عشت أحداثه ووثقت معلومات إضافية توصلت بها من جهات مختلفة تزكي هذه الفرضية. من سوء حظي أنني وجدت نفسي مكلفا بعمل لا دخل لي فيه في تلك السنة المشؤومة وفي تلك الأجواء المكهربة، الشيء الذي أثر سلبا على مساري الإداري، لكنه لم يثنني عن إنجاز تلك المهمة الرياضية بنجاح.

جريدة اخبار اليوم: الخميس 02 غشت 2018