في قصر الصخيرات، أواخر سنة 1988، سمعت الحسن الثاني يقول لوزير التجارة آنذاك: « آجي.. واش معدناش في هذه البلاد جمعيات اللي كتدافع عن المستهلك مثل فرنسا؟ » تفاجأ الوزير بهذا السؤال غير المتوقع وتفاجأنا معه. كنت حينها رفقة الأخ حسن أبو أيوب في ذلك اللقاء الذي كان مخصصا لأخذ التعليمات الملكية قبيل سفرنا للجزائر كأول وفد مغربي يتوجه إليها، بعد قطيعة دامت ثلاث عشرة سنة، تلتها ثلاث سنوات من التوافق الأخوي الصادق، سأتطرق إليها لاحقا . وأمام دهشتنا وتلعثم السيد الوزير، بادر الحسن الثاني رحمه الله بالقول: « وأنت تستحم في الدوش، انقطع عنك الماء الساخن نتيجة عطل في السخان المصنوع محليا. فمن يدافع عن المستهلك في هذا البلد؟ فهمت من أحد أعضاء الحاشية الملكية أن هذه الواقعة قد تكون حدثت لأحد مؤنسيه المقربين، والذين كثيرا ما كانوا ينقلون إليه أخبارا من هذا القبيل، تجعله مواكبا للحياة اليومية للمجتمع المغربي، خارج ما يتوصل به من مصالح المخابرات المختصة. لم أعرف ماذا فعله السيد الوزير في هذا الموضوع، لكنني ألاحظ أننا اليوم نتوفر على العديد من تلك الجمعيات، لكن بإمكانيات وصلاحيات جد محدودة، وحتى مجلس المنافسة، الذي أسسته الدولة بظهير شريف سنة 2014، فإن تدخلاته شبه منعدمة الفعالية والجدوى، كما حدث له بخصوص ملف المحروقات، ليبقى المستهلك في الأخير تحت رحمة بعض المنتجين المتعنتين الذين يتابعون تواطؤهم في رفع الأثمان بكل حرية ووقاحة، مراكمين الملايير على حساب الملايين من فقراء هذا البلد الآمن. فرغم مرور أكثر من ثلاثين سنة نعود إلى نقطة الصفر، حينما تساءل المغفور له الحسن الثاني « من يدافع عن المستهلك في هذا البلد »؛ ذلك أن الوضعية الحالية لم تتغير إلا من حيث الشكل، فوجود جمعيات للدفاع عن حقوق المستهلك لم تغير شيئا، وحتى عندما قام هذا المستهلك بالدفاع مباشرة عن نفسه، من خلال مقاطعة عدد من المواد والمؤسسات وطالب بإعادة ما يسرق منه في غفلة من الدولة، لم يجد سندا رسميا أو معينا اجتماعيا. فها هو من جديد لا حول له ولا قوة أمام جشع تلك الشركات التي لازالت تتواطأ فيما بينها، متحدية المستهلك بكل وقاحة، رافعة الأسعار على حسابه، في غياب رقابة الدولة التي أظهرت عجزها في مواجهة جبروت تلك الجهات المحصنة.
جريدة أخبار اليوم: عدد 3342
* سفير سابق