قصتي مع المدرب فاريا – الحلقة 22

الكتاني: فاريا ابلغ الوزير السملالي بانه لا يرغب في البقاء في المغرب.

– كيف تفسر إقدام وزارة الخارجية على إغلاق مكتبك بريو دي جانيرو دون أن بتدخل الملك ويرد لك الاعتبار؟

– ربما لعدم علمه بما حدث، فحسب ما أخبرني به أحد الأصدقاء كان وزيرا في تلك المرحلة، أنه سمع الحسن الثاني يثني على عملي في البرازيل، بحضور عدد من المسؤولين في الوقت الذي عدت فيه إلى المغرب وأغلق مكتبي نهائيا، ولم يجرؤ أحد من الحاضرين على إخباره بواقع الأمر.

– لماذا؟

– يبدو أن الأمور كانت تسير هكذا في البلاط الملكي، قد يكون الحاضرون على علم بما يجري، لكن لا أحد منهم ينطق إلا إذا طلب منه ذلك. وعلى كل حال، نحن في بلد المتناقضات، وهذه إحداها. هل طبيعي أن أكلف بمهمة على أعلى مستوى وأنجزها بنجاح، رغم أنها لا تدخل ضمن اختصاصاتي، ثم يغلق مكتبي ويوضع حد لمهمتي؟ وهل طبيعي كذلك أن يكلف الملك وزيره في المالية بمنحي مكافأة مالية في حال نجاحي في مهمتي، فأضطر إلى شراء تذكرتين للطائرة من مالي الخاص ولا ترد إلي أموالي؟ وهل من الطبيعي كذلك أن أعمل على إعادة فتح السوق البرازيلية الضخمة للمواد الفوسفاطية في مدة قياسية، ويستقبلني الوزير الأول السيد كريم العمراني لينقل لي تهاني الملك على ذلك الإنجاز، في الوقت الذي أقدمت فيه وزارة الخارجية على إغلاق مكتبي بطريقة تعسفية خارج القانون المنظم للمستشارين الاقتصاديين؟ ألسنا في بلد المتناقضات؟

– هل ندمت على قبولك بإجاز تلك المهمة بعدما سببته لك من مشاكل؟

– لا، بالعكس أني فخور بما أنجزته في ميدان ليس ضمن تخصصی. لقد كان بإمكاني القبول بتوجيهات السفير الهادفة إلى التخلي عن إنجاز تلك المهمة، والبقاء بريو دي جانيرو لأداء وظيفتي لكن، لو اخترت هذا التوجه لما كنت اليوم أقص عليك نجاحي في هذا الميدان وأذكرك بما ترتب عليه من نتائج باهرة لفريقنا الوطني.

– لنعد إلى قصة المدرب فاريا، متى وصلتما إلى المغرب؟ وماذا حدث بعد ذلك؟

– لا أتذكر بالضبط يوم الوصول، لكنني أعلم أننا وصلنا أسبوعا واحدا قبل إجراء مباراة ودية بين الفريق الوطني وفريق باري سان جرمان، والتي أجريت بتاريخ 29 يناير سنة 1984.

– إذن، تأخر قدومكما عدة أسابيع؟

– أظن أن التأخير دام على الأقل سبعة أسابيع نتيجة كل المشاكل والتعقيدات التي أشرت إليها سابقا، إذ كان علينا أن نسافر يوم 2 دجنبر 1983، فتأخرنا إلى 10 دجنبر، ثم تأخر الموعد عدة مرات نتيجة محاولة أقفال مكتبي، إلى غاية يناير من السنة الموالية.

– عندما وصلتم إلى المغرب كان جايمي فالانتي قد عاد إلى البرازيل؟

– فعلا، قبل سفرنا كان جايمي فالانتي قد عاد من المغرب بعدة أيام. وأثناء الحديث الذي راج بیننا، والذي أوردته في حلقة س ابقة، أخبرته بأن الملك كلفني بالبحث عن مدرب برازيلي لفريق الجيش الملكي، وأن هذا يعد دليلا قاطعا على أنه كان ناجحا في مهمته في تدريب المنتخب الوطني. وقد طلبت رأيه في المرشحين الثلاثة، خاصة السيد فاريا فإذا به يؤكد لي ما علمته عن السيد فاريا، كونه كان مساعدا لهذا الأخير عندما كانا يقودان الفريق الوطني القطري للشباب. طلبت رأيه فيه، فكان جوابه مرتكزا على الجانب الإنساني في تصرفاته، حيث أثنى عليه بشكل غير عادي. أكد لي أنه الیس مثقفا ولا يتحدث اللغات، وليست لديه دبلومات، لكنه مدرب مقتدر في فهم عقلية لاعبيه ويتقن التواصل معهم، حيث يتأقلم بسرعة مع خاصياتهم ويتجاوب مع قدراتهم الذهنية قبل البدنية، خاصة صنف الشباب والهواة. وقد علمت أخيرا، وأنا أتحدث مع أحد أفراد الفريق الوطني الذي لعب تحت إمرة فاريا، أنه كان يدافع عن كل واحد من لاعبيه بشراسة أمام المسؤولين، ويزورهم في بيوتهم عند الضرورة إن مرض أحدهم أو أصيب خلال اللعب، ويساعد بعضهم حتى ماديا إن اقتضى الحال ذلك، حيث كان يحتضنهم بعناية كأنهم أبناؤه. وكذلك كان حتى مع أفراد فريق الجيش الملكي، حسب ما علمته.

– ماذا حدث عند وصولكم إلى المغرب؟

– وصلنا إلى الدار البيضاء، ونقلته إلى فندق شالة بالرباط المجاور لمسجد السنة. عادة كانت الوفود الرياضية تنزل في هذا الفندق لقربه من مقر وزارة الشبيبة والرياضة، ولحسن الحظ، وجدت في الفندق السيد «جوردان فييرا» الطبيب المعد البدنی الذي كان مساعدا للسيد فالانتي طيلة سنة 1983، والذي بقي في المغرب رغم «هروب» السيد فالانتي دون سابق إنذار.

– هل كان على علم بظروف مغادرة فالانتي؟

– لا علم لي بذلك. المهم هو أن بقاءه في المغرب ووجوده في الفندق الذي نزل فية السيد فاريا، سيساعدني على إنجاح الفكرة التي سأقصها عليكم لاحقا، والتي ستكون سببا في بقاء السيد فاريا في المغرب إلى أن توفاه الله سنة 2013.

– كيف ذلك؟

– تركت السيد فاريا مع فييرا بالفندق، وغادرت على أن نذهب جميعا للقاء الوزير السملالي يوم الاثنين. والتقينا الوزير في الوقت المحدد، وجرى الحديث كما توقعت حيث أعرب السيد فاريا عن رغبته في عدم البقاء في المغرب لأسباب لم يوضحها حسب ما نقله لنا السيد فييرا الذي كان يقوم بالترجمة. فلم يقم السيد السملالي بأي جهد لإقناعه بالبقاء، وجرى اللقاء في مدة وجيزة، وعدنا إلى الفندق على الأقدام واتفقنا على تاريخ العودة إلى البرازيل أي يوم السبت الموالي. بالنسبة إلي فقد ارتحت، لأنني أنجزت مهمتي في إيصاله إلى المغرب. فأنا لست مسؤولا عن عدم بقائه إذا لم يرد البقاء.

جريدة اخبار اليوم: الثلاثاء 08 غشت 2018