الكتاني: اصطدامي مع المعطي بوعبيد.
– إذن، كيف تصرفت أمام رفضهم توثيق اختيارهم المدرب كتابيا؟
– مع اقتراب ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي شاركت فيها عدة دول، مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وتركيا ومصر والجزائر وتونس، وغيرها من الفرق، وفي غياب مدرب للفريق الوطني، اتصل بي الوزير السملالي وقال لي: «عليك تنفيذ اختیار الوزير الأول»، فقلت له: «لا أناقش هذا الاختيار، أنا مجرد موظف، وأنا مستعد لتطبيق الأوامر شريطة أن تكون مكتوبة»، فقال لي: «إن الملك يسأل عن تاريخ وصول المدرب، وإنك ستقع في المشاكل». حينها اهتديت إلى طريقة إدارية، سبق أن استعملتها بنجاح خلال فترة عملي في مديرية الصناعة أوائل السبعينات. هذه الطريقة تفيد بأنه إذا كنت تنتظر أمرا مكتوبا لتطبيقه ولم يصلك، في حين أنك ملزم بإنجاز ذلك العمل في مدة محددة، يمكنك اخذ المبادرة ومراسلة الجهة المعنية لتذكرها بتفاصيل الملف بكل وضوح، ثم تبلغها بما عليك أن تقوم به إذا لم يكن هناك مانع في ذلك » في هذه الحالة، وبما أن تلك الجهة لا تستطيع تكذيب ما جاء في رسالتك من سرد للأحداث الموثقة، فإنها لن تجرؤ على منعك كتابيا من إنجاز عملك، حينها سيصبح مرخصا لك قانونيا إنجاز مهمتك بموافقة تلك الجهة وبطريقة مكتوبة.
– هل وجهت إليهم رسالة إذن؟
– كتبت إلى السيد الوزير الأول رسالة مطولة أبلغه فيها عبر الفاكس بتفاصيل الملف من حيث الأمر الملكي بشأن إيجاد مدرب برازيلي جيد جدا، واقتراحي السيد «ترافالينیه ضمن الثلاثة مرشحين الأولين الذين يدخلون في هذا التصنيف وذكرته باختياره مدربا من مستوى أقل تصنيفا على أساس أجره الشهري الذي وضع سقفا له في حدود ستة آلاف دولار، وقلت له إنني سأقوم بتطبيق تعليماته في أقرب الآجال إذا لم يكن له اعتراض على ذلك. وهكذا وثقت كتابة ما حدث، وأصبحت تعليمات السيد الوزير الأول مكتوبة من طرفي إذا لم يعترض عليها.
– كيف كان رد السيد الوزير الأول؟
– كما توقعت، دون جواب. طبعا اتصل بي السملالي غاضبا، معتبرا أن تلك الرسائل تتضمن إساءة أدب إزاء شخص السيد الوزير الأول.
– ماذا حدث بعد ذلك؟
– طبعا كنت واعيا بأن موقفي هذا سيفهم على أنه تمرد من طرفي على صلاحيات السيد الوزير الأول، لأن المعهود في نظامنا المخزني التقليدي هو أن التعليمات تنفذ ولا تناقش، رغم أنها في أغلب الأحيان تكون تعلیمات شفوية. لذلك كنت أعلم، وأنا أكاتب السيد الوزير الأول، أنه سيعتبر مكاتبتي له تحديا لسلطته وإهانة لشخصه. فمنطق السلطة في بلادنا يقر بأن صاحب القرار ليس هو من يتحمل مسؤولية النتائج المترتبة عليه إن كانت سلبية، لأن المخزن لا يحاسب في كل الحالات، وكلمته تبقى هي العليا. فهذا المنطق المخزني يهيمن، مع كامل الأسف، حتى على رجالات الدولة الذين يحملون ثقافة قانونية، كما هو الشأن بالنسبة إلى السيدين المعطي بوعبيد وعبد اللطيف السملالي رحمهما الله. وأقولها بكل وضوح: لن يستقر أمر هذه البلاد على الطريق الصحيح مادام هذا المنطق المخزني المتجذر في مجتمعنا منذ قرون يسود في أوساط منظومتنا التنفيذية بذريعة الحفاظ على هيبة الدولة، ولو خارج القانون. فلو كان السيد الوزير الأول يؤمن بفكرة ربط المسؤولية بالمحاسبة، لبادر إلى القول عندما كنت بمكتبه: «هذا هو اختياري وستتوصل به مکتوبا، وما عليك إلا تطبيقه». هذا طبعا لو كنا في دولة الحق والقانون كما كان يزعم هؤلاء المسؤولون.
جريدة اخبار اليوم: الجمعة 20 يوليوز 2018