قصتي مع المدرب فاريا – الحلقة 12

الكتاني: هكذا سافرت رفقة فالانتي وزوجته من البرازيل إلى المغرب.

– بعدما وجهت رسالة إلى الوزير الأول حول اختيار المدرب، هل نفذت ما طلبوه؟

– فعلا اتصلت بالمدرب الذي اختاروه، واسمه «باریوس دا سيلفا»، علما أنني لم أقابله من قبل، لكن تبين أنه لم يعد مستعدا القبول العرض المغربي، فطلب مني السيد السملالي أن أعيد البحث عن مدرب آخر بسرعة من اللائحة أو من خارجها، لكن في حدود السقف المادي المحدد من طرف السيد الوزير الأول، أي 6000 دولار حدا أقصى، الشيء الذي أدى إلى استبعاد العديد من المرشحين الجيدين جدا، خاصة السيد «فافا» والسيد «جاوو سالدانا»، المدرب السابق للفريق الوطني البرازيلي سنة 1970، واللذين التقيتهما عدة مرات. – إذن، كيف جرى الاختيار؟

– وقع اختياري من خارج اللائحة ومن ضمن مجموعة من المرشحين الذين أعدت الاتصال بهم، على السيد «جايمي فالانتي»، والحمد الله كان اختيارا موفقة. فهو لم يكن فقط مدربا لكرة القدم من الجيل الجديد، بل كان كذلك أستاذا بجامعة ريو دي جانيرو يدرس في شعبة كرة القدم. سبق أن اشتغل مدربا مساعدا للراحل «كوتينيو» في قيادة فريق فلامينغو البرازيلي، الذي حاز سنة 1981 كأس العالم للأندية، وهو الفريق الذي كانت شهرته تضاهي شهرة فريقي البارصا : والريال حاليا، حيث كان يضم في صفوفه المتألق زیکو، ومدافعي الفريق الوطني جونيور ولیاندرو. وبعد تعيين السيد كوتينيو مدربا للفريق الوطني البرازيلي سنة 1977، عوضه السيد جايمي فالانتي على رأس هذا الفريق الذائع الصيت، والذي كان ينعت بمختبر كرة القدم العصرية. هكذا سيكون مدربا لخمسة لاعبين مرموقين في الفريق الوطني البرازيلي، على رأسهم زیکو، بعدها كلفتة الكونفدرالية البرازيلية لكرة القدم بالإشراف على تدريب الفريق الوطني للهواة، والفريق الوطني للشباب (جونیور).

– كيف التقيته؟

– كنت قد قابلته عندما كنت أعد اللائحة الأولى، غير أني لم أدرج اسمه لأنني حينها كنت أبحث عن مدرب بمعايير عالية جدا مقارنة بتصنيف السيد جايمي فالانتي، وهو المحسوب على الجيل الجديد من المدربين، وحينما طلب مني أن أعيد البحث عن مدرب آخر بأجر داخل السقف المحدد، أخرجت ملفه، والتقيته عدة مرات في مكتبي في أواخر سنة 1982، حيث شعرت بأنه مهتم جدا بالعرض لأنني ركزت كثيرا على هدف المغرب في التأهل إلى كأس العالم. لكنه، بعدما ناقشنا بنود مشروع العقد بكل تفاصيله، والذي يتضمن أجرا شهريا بقيمة 5000 دولار، ومنحة التوقيع بقيمة 40 ألف دولار، طلب مني بإلحاح توقيع العقد في البرازيل، والحصول على الشطر الأول من منحة التوقيع قبل التحاقه بالمغرب، كما اشترط أيضا أن يكون مصحوبا بمساعد برازيلي مختص في اللياقة البدنية. اتصلت بالسيد السملالي وأخبرته بما آلت إليه مفاوضاتي معه، وطلبت منه تدبير المبلغ المطلوب، وهو عشرون ألف دولار، لكنه رد بأن الجامعة المغربية لكرة القدم ليس بإمكانها أن توفر المبلغ بالعملة الصعبة في المدة القصيرة المحددة، فطلب أن يوقع المدرب العقد بالمغرب، وأن يؤجل النظر في استقدام المساعد البرازيلي إلى ما بعد قدوم فالانتي إلى المغرب. الشيء الذي رفضه هذا الأخير، حيث أصر على ضرورة الحصول على الشطر الأول من منحة التوقيع قبل التحاقه بالمغرب، وعلى ضرورة أن يصاحبه معد بدني من البرازيل. فكان علي مرة أخرى أن أجتهد، حتى لا أفوت فرصة التعاقد مع هذا المدرب، خاصة أن الوقت لم بعد يتسع للبحث من جديد عن مدرب آخر، في ظل استعجال جلالة الملك قدوم المدرب البرازيلي. فلجأت إلى اقتراض 20 ألف دولار من أحد أصدقائي بضمانة خاصة من طرفي، وقدمتها نقدا للسيد فالانتي في مكتبي حسب طلبه، وهنا سيفاجئني بطلب آخر، وهو ضرورة مرافقتي إياه إلى المغرب حتى أضمن له تحقيق كل الشروط التي اتفقنا عليها في مشروع العقد الذي س يوقعه في المغرب. حدث هذا ونحن على بعد يوم واحد من السفر على متن الرحلة التي لا تنطلق إلا مرة واحدة في الأسبوع عبر الخطوط المغربية، فتساءلت في نفسي: كيف أحصل على موافقة السيد السفير وهويعارض أصلا حتى قيامي بهذه المهمة، على غرار وزارة الخارجية ؟

– هل رافقت إذن السيد فالانتي إلى المغرب؟

– كنت مضطرا إلى ذلك، لأنه رفض السفر دوني. مرة أخرى وجدت نفسي في مأزق الاختيار بين إنجاح المهمة خارج المساطر، أو التقيد بها حتى لو تسببت في فشل المهمة. ومرة أخرى سأختار الحل الأول وأنا على علم بالمشاكل التي قد تترتب على ذلك الإختيار، وهكذا، أرسلت فاكس إلى الخارجية لإبلاغهم بأنني مضطر إلى مرافقة المدرب المقترح إلى المغرب لإتمام عقده بطلب منه، إن لم يكن لديهم مانع في ذلك، فلم أتوصل بأي جواب قبل موعد السفر، فسكان على إذن أن أشتري تذكرة الطائرة من حسابي الخاص، وأن أطلب التعويض فيما بعد، وهكذا سافرت مع المدرب فالانتي وزوجته إلى المغرب نقلتهما إلى الفندق الموجود على بضعة أمتار من وزارة الشبيبة والرياضة قرب مسجد السنة بالرباط. أذكر أننا وصلنا يوم السبت، وكان مقررا أن نذهب إلى السيد السملالي يوم الاثنين لإبرام العقد. فاقترحت عليه أن أرافقه يوم الأحد لزيارة بعض معالم الرباط، فكان جوابه أنه يفضل أن أنقله إلى بعض الفضاءات العشوائية في الأحياء الشعبية حيث يلعب الأطفال كرة القدم وأن يحضر أي مباراة إن أمكن ذلك. فوجئت بطلبه، ونظرا إلى عدم توفير الجامعة مرافق وسيارة له، اضطررت إلى تدبر الأمر مرة أخرى، فاستعملنا سيارة أخذتها من أحد أقاربي، وتوقفنا قرب فضاء شعبي بجوار محطة القامرة بالرباط، حيث كان يلعب مجموعة من الشباب والأطفال، فبقي يراقب اللعب مدة طويلة، بعدها قال لي: «من المؤكد أن لديكم المادة الخام الضرورية لتشكيل منتخب متميز». وبعدها أخذته إلى مدينة المحمدية لمشاهدة مباراة النادي المحلي في إطار البطولة الوطنية، حيث علق على مجرياتها بطريقة بدا فيها هرم التدريب حينها، السيد «الخميري»، قديم الطراز أمام الأساليب العصرية والمتطورة التي يتبناها السيد فالانتي، الذي استضفت في تلك الليلة صحبة زوجته ببيت خالی الحاج حفيظ اللبار.

جريدة اخبار اليوم: الإثنين 23 يوليوز 2018

ملاحظة: الحلقة 13 لم يتم نشرها