قصتي مع المدرب فاريا – الحلقة 14

الكتاني: هكذا سافرت رفقة فالانتي وزوجته من البرازيل إلى المغرب.

‎- كيف مرت إذن أجواء الاتفاق على بنود العقد مع فالانتي؟

– بعد وصولي رفقة جايمي فالانتي إلى المغرب، ذهبنا إلى السيد السملالي بالوزارة، حيث كنت أحمل معي مشروع العقد بالبنود التي اتفقت عليها مع السيد فالانتي بريو دي جانيرو. من ضمنها أن يمتد العقد إلى أربع سنوات، أي إلى غاية سنة 1986 موعد كأس العالم. في الأخير لم أحصل على نسخة من العقد النهائي إلا في وقت لاحق، فتركت المدرب في المغرب وغادرت إلى البرازيل. لم أعد أتابع ما حدث لأن أخبار المغرب لا تصل إلى البرازيل إلا عبر بعض القنوات الفرنسية، والسيد السملالي لم يعد يتصل بي، وكم كنت سعيدا عندما علمت بفوز المنتخب المغربي في ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي نظمت بمدينة الدار البيضاء في شهر شتنبر من السنة نفسها 1983.

– كيف إذن سينتقل تدريب المنتخب المغربي إلى فاريا؟

– قبل الحديث عن المرحوم فاريا، لا بد أن أنقل لك ما حدث للسيد جايمي فالانتي في المغرب. وأنا أزاول عملي الاقتصادي، وبعد مرور شهور على انتهاء تلك المهمة الرياضية الخارجة عن مجال عملي، إذا بي أفاجأ في أحد الأيام بقدوم السيد جايمي فالانتي إلى مكتبي في ريو دي جانيرو، وكان قد مر أقل من عام على تحمله مسؤولية الفريق الوطني. فوجئت به وهو يبلغني بأنه جاء للتو من المغرب حيث توجه إلي مكتبي مباشرة من الطائرة، رغم أنه حضر قبيل سفره اجتماعا عاديا مع الجامعة دون إشعارهم بقراره مغادرة المغرب، وقال لي: «قررت أن أترك بلدكم نهائيا دون سابق إشعار للمسؤولين هناك! وها أنا أخبرك رسميا بفسخ العقد الذي يجمعني بالجامعة المغربية لكرة القدم، لأنهم لم يوفروا لي الشروط الملائمة لإنجاز مهمتي والمنصوص عليها في العقد، وها أنا أخبرك بذلك بصفتك أول مسؤول اتفقت معه على البنود. عليك إعلام الجهات المعنية بذلك».

– ولمَ أقدم فالانتي على تصرف غريب كهذا، حيث غادر المغرب دون سابق إنذار؟

– لقد استغربت قراره في البداية، والطريقة التي اختارها لإنهاء العقد، فكان أجاب بأنه أصبح من المستحيل عليه متابعة عمله في ظل الظروف غير المعقولة والإكراهات التي فرضت عليه أثناء تدريب المنتخب طيلة السنة التي قضاها بالمغرب، وبعدما حكى لي بالتفصيل عن مجموعة من العراقيل التي وضعوها أمامه، قال: «إذا أرادت الجامعة أن ترفع دعوى ضدي فلتفعل، لكنها لن تستطيع ذلك، لأنني سأواجههم بالحقائق، وسأفضح تصرفاتهم اللامسؤولة». كان يتحدث بألم وحرقة بالغين، قائلا إنه عشق المغرب والمغاربة الذين مافتئوا يعبرون عن إعجابهم بما يقوم به، لكن المسؤولين عن الرياضة ليسوا في المستوى المطلوب، ولا يستحقون تمثيلها، لكن الأدهى من ذلك أنهم يعتقدون أنفسهم من الكبار المختصين في هذه الرياضة، في حين أنهم بعيدون كل البعد عن معرفة كرة القدم ومعطياتها العصرية.

– ماذا حدث له؟

– قال لي إنهم اجتهدوا لإفشال مهمته، واشتكى محاولات الجامعة فرض رأيها في اختيار اللاعبين، على أساس اللائحة التي قدموها له عند وصوله والتي كانت، حسب رأيهم، تضم أحسن اللاعبين، مطالبين إياه الاكتفاء بهذه القائمة، في حين أنه كان يرفض هذه الطريقة في فرض أسماء لم يخترها بنفسه لأنه «ناخب وطني» وليس «مدربا» حسب الطريقة التقليدية التي مازالوا يعملون بها، حيث قال لهم: «مسؤوليتي الأولى هي تشكيل الفريق، وتحمل مسؤولية اختيار عناصره، أما فكرة التدريب التقليدية، فإنها أصبحت متجاوزة من منظور الجيل الجديد الذي أنتمي إليه»، وأخبرني بأنه عندما أراد القيام بدور الناخب الوطني، طلب من الجامعة زيارة الفرق المغربية لمعاينة أوضاعها واكتشاف لاعبين جدد خارج اللائحة والمواهب الصاعدة، لكنه لم يجد آذانا صاغية، حيث لم ينظموا له تلك الزيارات.

– هل حدثك عن السبب المباشر الذي دفعه إلى مغادرة المغرب؟

– السبب المباشر هو التعارض الكلي بين اختياراته وتوجهات المسؤولين عن هذه الرياضة بالمغرب، وذلك رغم النجاحات التي حققها في أقل من سنة، ودعني أقص عليك بعض الأشياء الغريبة التي حكاها لي عن تصرف بعض أفراد الجامعة. مرة كان المنتخب يلعب مباراة إقصائية في دولة إفريقية، وكان الجو حارا، فلاحظ في فترة الاستراحة أن عضوا بالجامعة أحضر 4 قنينات ماء فقط، قنينة لكل ثلاثة لاعبين، وعندما سأله عن هذا العبث، قال إن ثمن الماء المعدني مرتفع جدا في ذلك البلد، فغضب فالانتي وقال للمسؤول في الجامعة: «ماذا تفعلون أنتم الأربعة معي؟ هل طلبت منكم مصاحبة الفريق؟ فثمن تذكرة طائرة للواحد منكم تكفي لشراء مئات القنينات من الماء»، وقال لي: «إنهم جماعة من المتطفلين الذين يقتاتون من عمل لا علاقة لهم به». وفي موقف آخر، حين كان بصدد التهييء لمباراة مهمة في دولة إفريقية أخرى، وحتى يغير من طريقة التمارين، طالب الجامعة بتمكينه من أحد الفرق المغربية لإجراء تلك التمارين، لكنهم رفضوا بحجة أن لديه ثلاثين لاعبا، وما عليه إلا أن يشكل منهم فريقين. لكن أمام إصراره على طلبه، تدخل أحد الحاضرين بالصدفة، وهو موظف في كتابة الجامعة، ليذكر بأن الفريق الوطني «الأمل» يوجد حاليا في تجمع بمدينة المحمدية، فطالب السيد فالانتي بإلحاح أن يتمكن من إجراء تدريباته مع ذلك الفريق.

جريدة اخبار اليوم: الثلاثاء 24 يوليوز 2018